تجادل إثنان
في مسألة ما فركن كلاهما الى أدلته التي يستند عليها فما كان من الاول إلا أن قال
للآخر " هذه أدلة العقلانيين الذين يقولون بكذا وكذا وكذا" صاما اذنه
ومغلقا قلبه عما يقوله الاخر الذي ُصنف لاحقا بأنه منتم الى نفس الطائفة.
البشر عموما
لديهم ما يسمى بالقوالب الجاهزة أو الصور النمطية فإذا ما استدعى الى عقله أو سمعه
وبصره شىئ ما فإنه يركن الى ما رسمه عنه من صور ذهنية وقوالب جاهزة ليؤطره بها دون
تكليف نفس بالبحث والتقصي عن ذلك الموضوع سواء بالسلب أم بالايجاب، وتتدخل عوامل
كثيرة في رسم تلك الصور في مخيلة البشر منها البيئة والثقافة والعادات والاصدقاء
ووسائل الاعلام وغيرها من الوسائل.
نلجأ الى
قولبة الاشخاص والاشياء من حولنا استسهالا لاصدار حكم عام على الجميع فيمكن أن
نصور شعب ما بأكمله بأنه شعب كسول لا يحب العمل وكل من ينتمي الى ذلك الشعب فهو
رغما عنه سيكون في نظرنا كسولا حتى وان كان غير ذلك لاننا لسنا على استعداد لتغيير
صورة ذلك الشعب النمطية من أجل شخص أو شخصين، أو نصوير مجتمع ما بأن افراده
يتمتعون بدرجات ذكاء أقل من المجتمعات الاخرى، أو أن مجتمع ما غني بسبب ما يمتلكه
من موارد طبيعية وبشرية ولعل المثال الاشهر في هذه القولبة هو ما كونته وسائل
الاعلام والسينما الغربية عن الشخص العربي بأنه بدوي يركب بعيره ويعيش في الصحراء
ويمتلك بئرا للبترول ومتزوج من عديد من النساء.
نحن في عقولنا
نؤطر كل شىء بؤطر وبراوزير معينة لا نحيد عنها ولا نقبل أن نرسم صورا بديلة عنها،
فنحن لا نرسم صورا من واقع ما نراه ونلمسه بل ما نسمعه وتصدقه آذاننا، واستشهد هنا
بما قاله الكاتب سليمان المعمري في منشور له على صفحته الاجتماعية " هنالك من
ينظر
للمثقفين على أنهم كائنات بوهيمية تعيش في أبراجها العاجية وأحلامها المثالية غير
القابلة للتطبيق على أرض الواقع، متعالية على المجتمع، ومكتفية بكأسها وسيجارتها
وغيرها من المُلهيات. ووُجِد بيننا – في المقابل – من ينظر لأي مسؤول حكومي ذي
منصب على أنه كائن مرتشٍ وفاسد ولا حظَّ له من حب الوطن أو التفاني في خدمته وكلا
النظرتين متطرفتان لللاسف" واصفا كل هذا بأنه آفة ابتليت بها بلادنا وبلاد
أخرى من العالم.
الخطورة في أمر القولبة والانماط والصور الجاهزة
لا تكمن في إصدارها الاحكام والصور على الآخر فقط بل يتعدى ذلك الى عواقب مدمرة
تصل الى إزكاء خطابات الكراهية والعنف ضد الآخر والتي بدورها قد تؤدي الى غزو
وتعدي على الآخر وسلب وقمع حرياته ومصادرة أفكاره بكثير من الحجج المبنية على صور
نمطية جاهزة تكونت لدى صانع قرار من ترسبات مختلفة أدت الى تبنيه لسياسة ما تجاه
الآخر. يذهب إدوار سعيد في كتابه الاستشراق
الى " أن الصور النمطية التي صاغها الرحالة والأدباء الأوروبيون لعبت دورًا
كبيرًا في تغذية خيال صناع القرار الأوروبيين في غزو بعض الدو " ولا تزال مثل هذه السيناريوهات والصور
والقرارات مستمرة ونراها ماثلة أمام أعيننا يشهد ويلاتها ويعاني نتائجها كثير من
الافراد والشعوب التي لا تستطيع أن تقلب تلك الصور المقولبة ولا أن تعدل الصور
المنمطة لان تعديل تلك الصور يحتاج الى أزمان عديدة وأعوام مديدة.
نحتاج إلى
التروي والعدل والانصاف والحياد قبل رسم قالب شخص أو مجتمع ونحتاج الى الغاء كل
الصور المخزنة في ذاكرتنا مما سبق من أحكام جاهزة وقوالب مرسومة والبدء في تكوين
الصورة الصحيحة الاولى المبنية على العلم والبحث والدراسة لا عما سمعه فلان من
فلان عن فلان.
تعليقات