لم تمض سوى سنوات قليلة على خلق البشر حتى نشبت بينهم الحرب، ولم تكن هذه الحرب بحاجة الى سبب كبير لإشعالها ولم تنطفئ إلا بمقتل أحد أطرافها وندم الطرف الآخر على ما اقترفه من إثم. لم يستوعب من أتى من أولاد آدم درس الحرب الأولى وندم أبيهم الأول على خطيئته الكبرى، بل استمروا في إذكائها ودق طبولها والتحريض لها فلم يتورع الأبناء عن ممارسة دور المتسلط الداعي الى الحرب لإخضاع الآخر أو قتله وتشريده فبقيت الأرض مكانا ومسرحا للحرب كما هي مكان ومسرح للسلم وإن كان بدرجة أقل.
قرأت عبارة وردت في كتاب «الحرب قبل الحضارة» للأمريكي لورانس كيلي خلص فيها الى أن «ما يقرب من تسعين في المائة فأكثر من المجتمعات البشرية المعروفة على مر التاريخ قد شنت حربا أو ساهمت في إذكائها» وقد يشكك البعض في صحة هذه المقولة والأرقام الواردة فيها بحكم صعوبة دراسة التاريخ البشري ودراسة تاريخ الحروب البشرية، ولكن من يتصفح كتب التاريخ ويستدعي مسلسل الأحداث البشرية يجد نفسه أمام حلقات طويلة ومتسلسلة الأحداث عن حروب قامت بين أفراد وقبائل وعشائر ودول وامبراطوريات منذ ما قبل التاريخ وحتى يومنا هذا لأسباب معلومة وغير معلومة ولأسباب يعدها البعض منطقية وتدعو الى شن حرب في حين ينظر إليها الآخر بأنها أسباب تافهة ولا تدعو حتى الى مجرد النظر والانتباه إليها.
ويذهب بعض دارسي التاريخ البشري القديم والمعاصر الى أن سنوات الحرب التي تمر بها البشرية هي أطول من سنوات السلم وحتى سنوات السلم تلك لا تكون إلا بمثابة الاستراحة والتقاط الأنفاس للتحضير والاستعداد لغزوات وحروب أخرى تشنها القبائل والدول على جاراتها.
هنا تبرز مقولة إن الإنسان عدواني بطبعه يميل الى العنف والعدوانية والشر والدمار أكثر من ميله الى السلم والدعة والسكون، فعندما يستفزه موقف ما فإنه بسرعة ما يلجأ الى العنف والعدوانية والدموية أكثر من لجوئه الى تحكيم العقل والمنطق واللجوء الى السلم والأمن فتراه لا يتورع عن استخدام كافة التكتيكات والخدع والحيل لشن حرب على جاره وخصمه وقد يمتد أمد وزمان هذه الحروب الى أماكن بعيدة وسنوات طويلة والتاريخ خير شاهد على ذلك فبعض الحروب استمر أوارها لأكثر من مائة عام كما هو حال حرب المائة عام التي نشبت بين فرنسا وانجلترا في العام 1337 وامتدت حتى 1453 أي انهم كانوا يتحاربون فيما بينهم لأكثر من 116 سنة وهنالك حرب الثمانين عاما وعرفت باسم حرب استقلال هولندا وأيضا الحرب الكورية التي استمرت لأكثر من 60 عاما وفي التاريخ العربي هنالك الحرب المشهورة بين بكر وتغلب وهي حرب البسوس التي قامت بسبب نزاع بين قبيلتين على ناقة واستمرت مشتعلة لأربعين عاما وهنالك أيضا حرب داحس والغبراء وأيضا استمرت لأربعين عاما تحاربت فيها القبيلتان على فرس سبق فرسا آخر. هنالك أزمنة يعيشها العالم في الرخاء والأمن والسلام وإلا كيف نفسر قيام الحضارات وألقها وازدهارها وبناء المدن وتطور الاختراعات والابتكارات وظهور الفنون والآداب وتدوين الكتب ونشر المعارف وتقدم العلوم والطب وغير ذلك من وسائل أسهمت في تطور الإنسان والذي ما كان له أن ينتجها لو لم يكن هنالك سلم وأمن، ولكن عدوانية الإنسان وشقاوته قد تغلب عليه في يوم من الأيام وتقوده الى تدمير ما بناه بيده وما خلفه له غيره من إرث حضاري وعمراني.
تعليقات