لم يشفع
لمجلة النيوزويك الامريكية تبريرها الذي ساقته عقب توزيعها لأولى نسخها الورقية
والتي حملت على غلافها صورة المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون وكتب تحتها عنوان
" الرئيسة هيلاري كلينتون"، بأنه تم إعداد الغلاف قبل اعلان النتائج
النهائية للانتخابات التي خسرتها كلينتون وان المجلة استعادت النسخ الخاطئة، بل إن
ذلك جر عليها الكثير من الاتهامات من صناع الصحافة والاعلام أنفسهم متهمين اياها
بعدم المهنية والتسرع في اصدار أحكام مبنية على قناعات شخصية مسبقة من طاقم
التحرير بالمجلة وانهم بعيدون عن الشارع وهمومه.
إعلاميين
وصحفيين اعترفوا عقب اعلان نتيجة الانتخابات بأنها سببت لهم صدمة لانهم لم يكونوا
يتوقعون خلاف ذلك، مبررين ذلك بأن استطلاعات الرأي التي كانت متوفرة لديهم كانت
تشير وبدون أدنى شك الى تقدم المرشح الديمقراطي، وانهم كانوا مغيبين عن الاستماع
الى آراء الناخب نفسه مكتفين بما تسوقه لهم استطلاعات الرأي وآراء الساسة وأهل
الاقتصاد ممن تربطهم بهم علاقات عمل.
العاصفة
التي خلفها انتخاب ترامب كرئيس للولايات المتحدة لم تعصف فقط بالمرشحة الديمقراطية
وأنصارها بل عصفت بمصداقية وسائل الاعلام وموضوعيتها في تناول الاخبار ومدى قدرة
هذه الوسائل اليوم على تحديد وتشكيل الرأي العام في ظل وجود وسائل أخرى منافسة لها
كوسائل التواصل الاجتماعي التي لجأ اليها الكثير من الناخبين الامريكيين لتشكيل
رأيهم عن مرشحهم بدلا من الركون الى وسائل الاعلام التقليدية التي انساقت كما يقول
بعض الاعلاميين أنفسهم الى ما تردده النخب السياسية والاقتصادية والحكومية مع
اغفال كبير لآراء الناس في الشارع وما يقولونه عن مرشحهم وعن القضايا التي تشغل
بالهم.
يعزي
الكاتب والصحفي الالماني "أوفه كروغير" هذا
الانفصام بين الصحفيين والشارع بقوله بأن الصحفيين يعيشون في ما أسماه بالفقاعة
الانتقائية وهي انتقاء ما يحلو لهم من أخبار تأتي اليهم بسهولة ويسر من مصادر
معينة كالاخبار المعلبة والجاهزة وعلاقاتهم الشخصية بالسياسيين والاقتصاديين من
دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث والتقصي عن المعلومة الصحيحة من مصادرها أو
النزول الى الشارع وسؤال الناس عما يؤرقهم من مشاكل وهموم.
الجدل طويل وشائك حول مهمة الصحفي
والصحافة في ظل تراجع دور وسائل الاعلام وتراجع الموارد المالية والاقتصادية لهذه
الصحف وقلة أعداد القراء الورقيين مقارنة بأعدادهم الالكترونيين، ولجوء بعض الصحف
ذاتها الى تقليل نفقاتها وتسريح محرريها القدماء الاكفاء والاكتفاء ببعض الخريجين
الجدد والاستعانة بصحفيي العقود المؤقتة، اضافة الى بعض السياسات الحذرة التي باتت
تتبعها عدد من الصحف للابتعاد عن الوقوع في المتاعب، كل هذا أفرز صحافة لا تدقق
كثيرا في المصداقية ولا تتحرى الدقة في كثير من موضوعاتها فهي أشبه بصحافة
المأكولات السريعة التي لا تحتاج الى كثير من الطبخ والتحميص والتمحيص، وهو ما
يتشابه الى حد كبير مع النتيجة التي وقعت فيها كثير من وسائل الاعلام الامريكية
التي انساقت الى استطلاعات الرأي الجاهزة وآراء بعض السياسيين والاقتصاديين.
بقي لي أن أشير أنه عقب نتيجة الانتخابات الامريكية أجرت بعض استطلاعات
الرأي استبيانا حول ثقة الجمهور الامريكي في وسائل الاعلام فكانت الاجابة بأن
الثقة في وسائل الاعلام قد تراجعت الى 32 % فقط من حيث قدرة وسائل الإعلام على نقل الأخبار بشكل كامل
ودقيق ومنصف.
تعليقات