التعدد والاختلاف سمة تميز الكون الذي نعيشه وتتجلى هذه
التعددية فيما خلقه الله من أكوان وكائنات تختلف في عملها وتتسق في كيانها
وصيروتها، وباستثناء خالق الوجود من العدم وهو الواحد الاحد فإن ما عداه مختلف
ومتعدد في إطار من الوحدة والتنوع تنسجم وتتناغم في هذا الكون الواسع الذي تتشارك
فيه كل المخلوقات.
فالاختلاف والتنوع أراده الله منذ الازل منذ أن أذن
للحياة أن تقوم في الارض، فالجنس البشري يختلف ويتعدد الى أمم وأعراق وملل ونحل
وألسن وطوائف لكنه اختلاف في اطار وحدة الجنس البشري الذي خلقه الله من تراب ولحم
ودم ويتقاسم أفراده استحقاقهم التمتع بكل ما خلق الله من نعم في السماء والارض من شمس
وقمر ونجوم وهواء وماء التي هي في وحدتها اختلاف أيضا لكنه اختلاف منظم مسير بسنن
الكون.
وكما نلمس
الاختلاف في الجنس البشري فإننا نعايشه ونشاهده في ممالك الحيوان والنبات التي تتعدد
أشكالها وألوانها وأوصافها وأحجامها كل ذلك في إطار وحدة المملكة الحيوانية
والنباتية التي تجتمع وتتشارك هي الاخرى في قواسم تجمعها بكل ما خلق الله في
الحياة من نعم بما في ذلك الانسان نفسه.
كل ما في الكون بوحدته واختلافه يمشي بتناغم جميل لا
يتداخل فيه شىء على حساب الآخر فالكل يمشي لمستقر له لا يتسبب في تصادم أو تصارع
أو تداخل أو تشابك إلا ما تقدره المشيئة الالهية، إلا الانسان الذي منذ أن خلقه
الله واستخلفه في هذه الارض فهو على خلاف دائم مع أخيه، ولعل هذا الاختلاف هو من
الفطر التي فطر الله الناس عليها منذ خلقه ونفخ
الروح فيه وجعل الاختلاف والتعدد والتنوع سمة بارزة من سمات الانسان السوي
الذي تتصارعه عدة أنفس الخيرة والشريرة والمطمئنة.
لا يعي كثير من بني البشر ولا يتلفت الى معنى التنوع
والاختلاف في ما خلق الله في الانسان وفي الكون وهو بذلك يصارع خلق الله، يريد أن
يخضع الكون لارداته وجبروته وسلطانه، ويريد للبشر أن يتبعوه فيما يعتقد ويؤمن به
من أفكار ومعتقدات وقيم وعادات، ويرغب أن يصيرً الدنيا كلها تأتمر بأمره وتنتهي
بنهيه، ويصادر كل فكرة لا تتقاطع مع أفكاره، يحارب الاديان الا دين واحد هو دينه
الذي يعتنقه، يمقت كل فكر وأدب إلا فكره وأدبه. هكذا هو ديدن الانسان منذ أن سكن
الارض وحتى يرحل منها.
يقول الدكتور محمد عمارة في كتابه " الاسلام
والتعدديه" " في الاسلام تبلغ التعددية مكانة السنة والقانون الالهي
الذي لا تبديل ولاتحويل عنه، فهي ليست حق من حقوق الانسان يخضع للمنح والمنع
والتنازلات والمساومات، وهي لا تقف عند السياسات وانما هي القانون العام في جميع
عوالم المخلوقات من الجماد الى النبات الى الحيوان الى الانسان الى الافكار فما
عدا الذات الالهية قائم على التعدد والتنوع والاختلاف"
الاختلاف سنة كونية من سنن الله التي خلقها في الانسان كي
يتعايش مع أخيه ومع باقي ما خلق من نعم وآلاء وعلى البشر جميعا أن يعوا أن
اختلافهم هو رحمة لهم وأن يتقبلوا الاخر بفكره ودينه ومعتقده – ما وافق الفطرة
السليمة - لا أن يقاتلوه أو يحاربوه، وصدق الله حيث قال في كتابه " ولو شاء
ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم".
تعليقات