سمعت من الصينيين أنفسهم عن فوائد شايهم في حرق الدهون وتخفيف الوزن والوقاية من الإصابة من كثير من الأمراض، إلا أنني لم استطع أبداً أن أشربه طوال الوقت كما يفعلون هم فقد حنت نفسي وعقلي إلى شاي الكرك الذي أدمنت عليه والذي وللأسف لم أجد له أثرا في الثقافة الصينية، لذا فقد حاولت إسكات إدماني بتناول قهوة سوداء تعيد إليّ بعضا من تركيزي ولكن بدون فائدة تذكر.
عقب الاحتفاء بكأس الشاي الصيني أخذنا وجهتنا إلى المدينة المحرمة التي فارقها آخر أباطرتها في العام 1924 بلا رجعة بعد أن كانت مقرا لحكم أسرتي مينغ وتشينغ اللتين حكمتا الصين خلال 491 عاما، وسميت بالمحرمة لأن أسوارها العالية التي يبلغ ارتفاعها العشرة أمتار والنهر الصناعي الذي يطوقها والحراسة القوية على بواباتها الجنوبية والشمالية كانت كفيلة بمنع فئات الشعب الصيني من دخولها، فهي مقتصرة فقط على الإمبراطور وحاشيته وضيوفه الذين يستقبلهم في القسم الأول من المدينة الذي خصص للاستقبالات الرسمية في حين خصص القسم الداخلي من المدينة لإقامة الإمبراطور وعائلته وعدد كبير من الخدم الذين يسهرون على راحته.
تذكرت وأنا أقف على بوابة المدينة المحرمة بانتظار تذاكر الدخول إليها فيلم «الإمبراطور» الأخير“The Last Emperor” الذي أخرجه برناردو برتولتشي في العام 1987 وحاز على تسع جوائز أوسكار من بينها أفضل فيلم، ويحكي قصة آخر إمبراطور صيني هو «بو ئي» الذي نصب إمبراطورا على الصين وهو صبي صغير وخلعته الثورة الصينية التي غيرت نظام الحكم إلى جمهوري بدلا من الامبراطوري ولكنها أبقته في القسم الداخلي من المدينة شبه مسجون إلى أن طرد منها نهائيا في العام 1924 ليلجأ إلى اليابان متحالفا معهم. الغريب في قصة هذا الإمبراطور انه اختار في آخر أيامه أن يعمل بستانيا ومزارعا في حدائق المدينة المحرمة بعد أن كان في يوم من الأيام مالكا لها ولمن فيها.
همست مرافقتنا في آذاننا من أن زيارتنا للمدينة المحرمة لن تكتمل إلا بزيارة معبد السماء والذي كما يبدو من اسمه أن له علاقة بالسماء والصلاة والاستغفار وطلب الصفح من مالك السماء والأرض، فهذا المعبد خصص لأباطرة الصين لتقديم الهدايا والقرابين والذبائح للآلهة استجداء للخصب والزراعة وطلبا للصفح حيث كان الإمبراطور يعتبر نفسه أنه ابن السماء ويقدم قرابينه السماوية من معبده الذي في الأرض.
كافأنا عقب هذه الزيارات التاريخية مضيفنا تشو شوو تشن وهو الأمين العام لرابطة صحفيي عموم الصين ( ما يماثله معنا رئيس جمعية الصحفيين) بمأدبة عشاء فاخرة تسيدها أولا الشاي الصيني الأخضر الممزوج ببعض الأعشاب الطبيعية، جاءت بعدها المأدبة العامرة بلحم البط المشوي على الطريقة الصينية مع بعض الأطباق الصينية التي تحتوي على أعشاب البحر والخضار منها ما تعرفنا عليه ومنها ما لم نعرفه أو نشاهده من قبل، وفوق هذا وذاك حاول مضيفونا إقناعنا بأن نأكل طعامنا بالأعواد الصينية التي لا ندري حتى طريقة إمساكها فضلا عن الأكل بها، ومع بعض المحاولات المستميتة ألقيناها جانبا وبدأنا في التهام بطتنا المشوية باليد.
تعليقات