أول مرة استمعت فيها لأغنية حسين الجسمي
المذكورة أعلاه كانت من ابنتي الصغيرة بالصف الرابع الابتدائي عندما كانت ترددها
في البيت. فسألتها من أين اسمتعت لهذه الاغنية؟ فقالت أن كل من في فصلها يتحدث
عنها، وأن سائق الباص الذي يوصلهم المدرسة كل صباح يطربهم بهذه الاغنية حتى حفظها
الطلاب الصغار. ولم يتوقف الأمر عند حد التغني بهذا الفريق الكتلوني – الذي يوحي
اسمه بعد التحريف للعربية بالقتل أو القاتل كما يقول أنصاره- بل أن هنالك من عارض
هذه الاغنية كما يفعل الشعراء بأغنية عن الفريق الخصم وهو ريال مدريد.
مباريات كرة
القدم اصبحت هي الشغل الشاغل هذه الايام، من يلعب ضد من والساعة كم وأين سنلتقي؟
عند الفوز تكتظ الشوارع بالسيارات وتعم الفوضى وترى مشاهد الفرح بكل الاشكال
والالوان، وعند الخسارة والهزيمة ترى الانكسار والكآبة والفوضى والتخريب تعم كل
مكان. الكل يتحدث عن الكرة ابتداء من وسائل الاعلام والاتصال وفي البيوت والمقاهي
وأماكن العمل، عن اللاعب فلان والمهاجم علان، عن الاهداف المهدرة والاهداف
المسجلة، عن الحكم والجمهور، عن احتراف هذا اللاعب، وانتقال الآخر، عن موقف هذا
الفريق من البطولة وفرص بقائه أو خروجه وعن السيناريوهات المحتملة في استمرار فريق
ما أو خروجه من هذا الدوري أو ذاك الكأس، لا حديث يعلو على حديث الرياضة، ولا كلام
يرقى الى كلام الرياضة، إن كنت غير متفقه فيها فلا مكان لك في هذا العالم، حاول أن
تجد لك من يفهم لغتك الغير رياضية.
ترى
لماذا هذا الجنون بكرة القدم تحديدا عن سائر الرياضات الأخرى؟ ولماذا صار الجميع
واقعا في حبها الصغار قبل الكبار؟ ولماذا صارت هذه الكرة تحتل الصدارة في أولويات
الناس؟ بل صارت حديث المجالس والمنتديات وأصبحت مجالا للمناقشة والنكتة أيضا، ووصل
الامر بمجانين الكرة الى أن يقتل بعضهم بعضا كما يحدث في بعض دول الجوار، أو أن
يقدم البعض على الانتحار شنقا بعد خسارة فريقه كما نقلت لنا بعض الاخبار من انتحار
شاب عراقي عقب هزيمة منتخب العراق أمام الامارات في نهائيات دورة كأس الخليج
الاخيرة، وقبل هذا وذاك كله ذلك الوقت الذي يضيع هدرا في السهر على مشاهدة مباريات
الدوريات العالمية الكبرى في المقاهي والبيوت وما يعقبه من إهمال للاسرة والبيت
والمجتمع والعمل وكثير من الامور الشخصية.
لماذا يا
ترى كل ذلك؟
لماذا تتعطل مصالح الناس بسبب مباراة في كرة
القدم؟ ولماذا تهدر الاموال في شراء لاعب بملايين الدولارات ويموت آخرون من الجوع
والحروب والألآم؟ ولماذا تهدر الاوقات الكثيرة في التسمر لساعات طوال انتظارا
لافتتاح المدرجات أو أمام شاشة التلفزيون لمشاهدة قد تستمر لنصف يوم أو ليلة؟ ولماذا
انصرف الناس عن العبادة مقابل عدم تفويت دقائق من مباراة؟ لماذا ولماذا ولماذا؟
أعتقد بأننا بحاجة الى علماء مختصون بعلم
الاجتماع والنفس لتحليل هذه الشخصيات التي تعلقت أرواحها وأجسادها بالرياضة لا
سيما كرة القدم وامتد أثر هذا التعلق للأطفال الصغار في تقليد الكبار في ذلك،
وصاروا يولعون بريال مدريد وبرشلونه ويتغنون بهما حتى وإن كان هذان الفريقان يقعان
خارج الحدود ولا يمتان إلينا بصلة لا من قريب ولا من بعيد.
تعليقات