حكي لي صديق عن غيره إنه رأى اثنان من الوزراء الجدد في مقهى متواضع يشربان الشاي وقد عزم أحدهما على الآخر بأن يدفع حساب ما شرباه، وخلال جلستهما فقد قاما بالسلام والتحية على كل من ارتاد ذلك المقهى من عامة الشعب في تلك اللحظة.
صديقي هذا ربط عزيمة هذين الوزيرين بعزيمة الرئيس باراك أوباما للرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما زار الاخير البيت الابيض فقام أوباما بدعوته لتناول فطيرة سندويش في مقهى صغير يرتاده العامة من الشعب ويقع بالقرب من البيت الابيض.
ما أراد صديقي قوله من هذه القصة من أن الوزراء الجدد في بلادنا هم أناس طيبون ويحبون الاخرين وهم قد جاءوا من عامة الشعب، لذا فتجدهم يأكلون ويشربون مع عامة الناس بل ولا يترفعون عن زيارتهم والاحتكاك بهم والتعرف عن قرب على متطلباتهم واحتياجاتهم، على عكس من سبقهم الى تلك المناصب فكان لا يرى الا على شاشات التلفزيون أو عندما تملأ صوره الصحف وأغلفة المجلات.
أحدهم ( أي الوزراء الجدد) قام عقب توليه منصب الوزارة مباشرة بفتح مصعد الوزير الذي ظل مغلقا طيلة عدة أعوام في عهد الوزير السابق وقد يكون الاسبق منه، في اشارة صريحة لموظفيه الى أنه لن تكون هنالك لا مصاعد ولا أبواب ولا حتى نوافذ مغلقة فيمكن للجميع من الموظفين وفئات الشعب الدخول على الوزير وفي أي وقت يشاء وحتى استخدام مصعده الخاص.
مصاعد الوزراء تختلف تماما عن مصاعدنا نحن عامة الموظفين أو لنقل نحن عامة الشعب، فمصاعدهم جميلة أنيقة مزينة بالورود ومعطرة بالروائح الجميلة وبها مناظر رائعة لا يملها معاليه خلال صعوده وهبوطه الى مكتبه. أما مصاعدنا نحن فهي اما معطلة وإما مزدحمة ولا ينتبه اليها أحد ومهملة وغير جميلة وهي ليست مزينة بصور الطبيعة والجمال الخلاب ومن يركب في بعض منها يخاف أن تتعطل به في أي دور.
بعض الدول تطلق على الوزير لقب سعادة، فيما نحن نطلق هذا اللقب على من هو دون الوزير أي في مرتبة الوكيل ومن يساويه، وأيا كان من نوع اللقب فربما من فكر فيه أول مرة كان يخيل اليه أن من يصل الى هذا المنصب فانه يصل الى السعادة والهناء سواء السعادة بالمنصب أو السعادة بما يخلعه عليه المنصب من كرم وهبات ومنح وعطايا جزيلة.
ولست أحسب أن من أعطي هذا اللقب سوف يهنأ بالسعادة لان مسؤوليات المنصب تكون أكبر من أن تمنحك السعادة، الا اللهم فيما يتنعم به صاحب السعادة من جاه ومال وسلطان.
ماذا نريد من الوزراء الجدد؟
لو أن الامور بالتمني فإن الاجابة على هذا السؤال سهلة ويسيرة فما نريده منهم ليس أكثر من النزول الى فئات الشعب المختلفة ومعرفة احتياجاتهم والاستماع للناس ومشاكلهم والعمل على حلها. ودائما ما تعجبني الاشارة الى كتاب الراحل الدكتور غازي القصيبي " حياة في الادارة" عندما يقول في كتابه " يعود اقتناعي أن السلطة العامة يجب أن تكون في خدمة الناس بدلاً من أن توظف الناس لخدمتها "، ومن يقرأ هذا الكتاب يجد فيه فائدة عظيمة في الادارة والقيادة سواء للمبتدىء أم للوزير، ففيه عصارة فكر الدكتور غازي طوال سنوات عمله منذ دراسته وحتى توليه حقائب وزارية في بلاده.
نتمنى أن ييسر الله عمل وزرائنا الجدد ويوفقهم في مسعاهم، وأن تكون خدمة الوطن والمواطن نصب أعينهم، وأن يكونوا خيرا ممن سبقهم الى تلك الكراسي التي قيل عنها بأنها لو دامت لغيرك ما وصلت اليك ، ونتمنى أن يجعلنا من أصحاب السعادة ويجمعنا بهم في الدارين الدنيا والآخرة.
تعليقات