اندمجت في قراءة كتاب ما اعجبني تسلسله السردي وطريقة انتقال كاتبته من جانب الى جانب آخر من حياتها، حتى وصلت الى فصل تشخص فيه حالتها بأنها تمر بحالات من الاكتئاب المزمن، وعزت ذلك الى أن المبدعين كثيرا ما يصابون بالاكتئاب والوحدة أكثر من غيرهم وعددت كثير من الاسماء التي اصيبت بالاكتئاب أنهى البعض منها حياته بيده بعد أن وصل الى حال من اليأس والقنوط والاحباط.
أصدقكم القول، بعد أن قرأت ما كتبت تلك الكاتبة، سرت رعشة وقشعريرة في جسدي وخفت على نفسي من نفسي كما يقولون. هل فعلا الادباء والكتاب والصحفيون والفنانون ومن على شاكلتهم هم أكثر الفئات تعرضا للاكتئاب؟ وعند طرحي لهذا التساؤل بيني وبين نفسي قام عقلي الباطن باستعراض مجموعة كبيرة من زملاء هذه المهن المتعبة فوجدت أن الاجابة وللاسف صحيحة وان عددا لا بأس به من الزملاء يعاني بطريقة أو بأخرى من مشاكل الاكتئاب.
مرة سمعت عن صديق ( مبدع) بأنه قام باطلاق لحيته وحبس نفسه في بيته لا يخرج منه الا للضرورة وانقطع كلية عن العالم الخارجي كله، وفي مرات كثيرة رأيت الكثير من زملاء هذه المهن يكلمون أنفسهم بأنفسهم ومنهم من شحب وجهه وبدا عليه الضيق والكآبة ومنهم من غادرت البسمة وجهه وغادرته السعادة، ومنهم من صرًح بأنه لن يعود الى وظيفته أو مهنته المجنونة.
عندما بدأت اتوسع في القراءة عن المكتئبين، صدمت بأرقام مهولة، حيث أن منظمة الصحة العالمية نفسها أشارت في تقرير لها بأن أكثر من خمسمائة مليون شخص هم ضحايا هذا المرض من بينهم ثلاثين مليون عربي وأن أكثر من عشرين في المائة من المترددين على العيادات النفسية هم المكتئبون. كما وجدت بأن أشهر المكتئبين من المبدعين هم الكاتب آرنست همنغواي والرسام فان جوخ اللذان أنهيا حياتهما بأيديهما بعد أن ضاقا ذرعا بالحياة التي يحيانها.
تروي تلك المؤلفة في سيرتها الذاتية التي كتبتها يوم أن كانت شابة في عقدها الثالث بأنها اصيبت بالاكتئاب، الامر الذي كلفها الكثير من حياتها حيث تطلقت من زوجها وخسرت جميع أموالها بسبب الحالة المزاجية المتقلبة التي تمر بها ومعاناتها من الوحدة والخوف مما هو آت في المستقبل فقررت تغيير نمط حياتها والانتقال الى أماكن كثيرة من العالم علها تجد الطمأنينة والسلام، فجربت العلاجات النفسية ولجأت الى مستشار نفسي لتشرح له حالتها، وقررت بعدها التنسك والتعبد والتأمل في الكون والحياة من خلال حضور دورات في الرهبنة وسافرت بعيدا لتلتقي براهب متنسك وصف لها بأن الحياة هي مزيج بين متع الحياة والتقرب الى الله لا افراط في هذا ولا ذاك.
بعد أن فرغت من قراءة المكتئبين واعراضهم أحسست أن شيئا خفيا يقترب من عقلي وجسمي، يحاول أن يدخل اليهما دون استئذان مني أو الرجوع الي وسؤالي إن كنت أقبل به أم لا، فاستعذت بالله من الشيطان الرجيم وحمدته عشرات المرات على ما أنعم به عليً من صحة وتحديدا صحة عقلية، ودعوته بأن لا يجعلني من هذه الفئة المبدعة التي يحسدها الناس على ما هي عليه وما وصلت اليه من شهرة وصيت ذائعين بعد أن دفعت ضريبة شهرتها بأمراض نفسية فتاكة، وقلت في نفسي بأن الحياة بلا أضواء أفضل منها تحت الاضواء.
تعليقات