أجدني في حل من إكمال شطر المثل فالكل منكم يعرفه ويعرف مضمونه وما يحمله من مدلولات ومتى يقال ولمن يقال، ولكن دعوني أسرد عليكم قصة هذا المثل في فضائياتنا العربية..
كان يا ما كان في سالف العصر والأوان، كان لدينا قناة يتيمة، متخمة بالبرامج الجميلة، وكانت هذه القناة، هي التسلية الوحيدة لنا ولباقي أفراد القبيلة، إلى أن جاء غزو ناعم غير مفهوم الطبيعة، وجعل الناس يلهثون وراء المتعة السقيمة فانقلبت الأمور رأسا على عقب، وصار الكل يزهد في قناته اليتيمة.
هذا باختصار جزء من قصة المثل، الناس تتراكض وتتسابق على ما يعرض على شاشات الفضائيات العربية من مشاهد وأحداث أقل ما توصف به بأنها تخدش الحياء وتثير الفتنة وتدعوا إلى الرذيلة وسوء الأخلاق ولا يعود المدمن عليها بفائدة تذكر سوى تعلم الكثير من سوء الأخلاق والقليل من الفائدة والاستمتاع. وطبعا لا أستطيع هنا التعميم على كل الفضاءات المفتوحة لان كل من يقرأ هذه السطور سيتهمني بأنني أنظر إلى الأمر بمنظار واحد ولا أرى المنظار الآخر وإنني أرى فقط كما يقولون من الكوب الفارغ منه وأتجاهل المملي، فما عنيته هنا هو الجانب الفارغ من الفضاء الذي بات لا يراعي مشاعر الناس ولا يحترم حيائهم.
لا أدرى إن كان يحق لي إطلاق مصطلح " إنفلات" على الوضع الفضائي العربي وأقصد بالإنفلات هنا تحلل من كل شيء، فهنالك انفلات في الجوانب الأخلاقية وما يبث من عري واضح بحجة أنه فن لهو دليل واضح على هذا الانفلات، وما نراه من فوضى في الفتوى والدين والحروب المذهبية والدينية بين الإخوان يعد من الانفلات الديني، وما نراه على شاشاتنا العربية من شفط لجيوب الناس من خلال المسابقات الوهمية والرسائل القصيرة والمكالمات الهاتفية المرتفعة الثمن لهو أيضا إنفلات اقتصادي، وما نراه من جرأة في طرح الكثير من المواضيع المتعلقة بخصوصيات الرجل والمرأة وشراء الأدوية والعلاجات الجنسية والعقاقير المقوية يعد في قائمة الانفلاتات الصحية، وما نشاهده من استهتار بعقل المشاهد وحسه المرهف من خلال ما يقدم على أنه فن وطرب أصيل وولادة مغن وفنان كل ساعة فضائية لهو أمر منفلت، وما نسمعه في نشرات الأخبار والمواجيز من ضرب وحرب دعائية وإعلامية بين الدول الشقيقة والصديقة بغية تحقيق ما يسمى "سبقا صحفيا" يعد من أمر الانفلات السياسي.
هذا الانفلات راجع إلى عوامل كثيرة لعل أقربها عدم وجود شرائع وقوانين وأعراف تقيد هذا المنفلت، فمن تُرك له الحبل على الغارب فلا بد له أن ينفلت ومن التزم في يوم ورأى غيره منفلتا فلا بد له من مجاراته حتى يصير مثله. وقد يكون السبب الأول للانفلات عائد إلى غياب الرقابة الصارمة على هؤلا وأمثالهم ولا أدرى هل صار الرقيب المشرف على هؤلا منفلتا أيضا لان ما يهمه هو تأجير دكاكينه الفضائية– إن صحت التسمية- ولا يعنيه ما يعرض في تلك الدكاكين سواء أكان طيبا أم خبيثا.
كان يا ما كان في سالف العصر والأوان، كان لدينا قناة يتيمة، متخمة بالبرامج الجميلة، وكانت هذه القناة، هي التسلية الوحيدة لنا ولباقي أفراد القبيلة، وعسى الله أن يديم علينا قناتنا الكبيرة التي صارت لها أختا صغيرة، والتي تحترم عقولنا الكبيرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعليقات