عندما أعود بذاكرتي إلى الوراء قليلا تلتقط مخيلتي مشاهد متنوعة ومختلفة يوم كنا صغارا نتحلق حول شاشة التلفزيون التي كانت في اغلب الأحيان بالأبيض والأسود، أذكر أن الصمت كان يخيم علينا ونحن نتابع الرسوم المتحركة في ساعات محدودة من النهار يذهب بعدها كل في طريقه لنلتقي في يوم آخر لنستكمل ونتابع بشغف كبير ماذا حدث لسالي وما جرى لسنان ومادا ينتظر الكلب بن بن وما يحدث لعدنان ولينا في الحلقات القادمة.
التلفزيون في تلك الأيام الخوالي وان كان بالأبيض والأسود إلا أن طعمه كان مختلفا، مذاقه كان مميزا كان هو ما يجمعنا ويجبرنا على التحلق حوله فاغرين أفواهنا لمتابعة قصة درامية عن الوفاء والصداقة عن حب فتاة صغيرة لحيواناتها عن قصص حدثت لشخصيات عربية وعالمية جعلت منهم مشاهير وعظماء، وتكون هذه القصص مثار نقاشنا الطفولي طيلة ذلك اليوم إلى أن تأتي قصة طفولية جديدة تستحوذ على نقاشنا لتبقى الحكاية الأولى محفورة في ذاكرتنا والتي لا زلنا نحمل ذكراها حتى اليوم، نسترجع بعضا من تلكم القصص مع أصدقاء الطفولة عندما تمنحنا الحياة متنفسا من الوقت نراجع فيه ذاكرتنا ذكرانا.
اليوم، وأنا انظر إلى طفلتي الصغيرة لا أرى فيها شي من طفولتي، هي وجيلها على العكس والنقيض من جيلنا، اهتماماتهم غير اهتماماتنا، ما كنا نتحرق على مشاهدته لم يعد اليوم مقبولا لديهم بس على العكس يعاب علينا كثيرا كيف كنا نشاهد وبشغف كبير تلكم التفاهات!! جيل اليوم هم جيل الديجتل، أطفال اليوم هم أطفال الديجتال يستهويهم الاكشن وسباق السيارات السريعة والمخلوقات القادمة من الفضاء وقصص الخيال العلمي،مسلسلات اليوم على وزن أبطال الديجيتال ، سابق ولاحق ، دراجون بول لا تضيف إلى عقل الطفل الصغير سوى العنف والقسوة والسطحية في التفكير.
أصبح الطفل الديجتال يبدأ صباحه وقبل ذهابه إلى المدرسة بإلقاء النظرة الأخيرة على قنوات الأطفال المتخصصة التي أصبحت تخصص اليوم كاملا لبث الرسوم المتحركة، يتناول فطوره الصباحي ويشاركه سابق ولاحق فيه على سيارتاهما اللتان تخطفان الألباب أو النينجا بسيوفهم المسلولة ليذهب بعدها إلى مدرسته وهو مشبع من أقصى رأسه وحتى أخمص قدميه بحركات الديجتال وألعابهم، ويستكمل باقي يومه بمشاهدة ما تبقى من مسلسلات الرسوم المتحركة التي تحرك فيه جميع عضلات جسده.
قرأت مؤخرا دراسة عن نسبة مشاهدة الأطفال للتلفزيون جاء فيها " أن الطفل الديجتل في العالم العربي ودول الخليج يقضي أمام التلفزيون ما يزيد عن 33 ساعة أسبوعياً في فصل الصيف و24 ساعة في فصل الشتاء" أي أن طفلتي التي اتركها يوميا في البيت وأذهب إلى عملي تشاهد التلفزيون أكثر من خمس ساعات يوميا !!
الدراسات العلمية استفاضت في دراسة الآثار السلبية على مشاهدة الأطفال للتلفزيون لساعات طويلة وأكد الكثير من هذه الدراسات إلى أن تعرض الطفل للتلفزيون يؤدي إلى آثار نفسية سيئة تتمثل في الموجات الكهرومغناطيسية التي تسبب للأطفال القلق والاكتئاب والشيخوخة المبكرة.
صار الإدمان على مشاهدة برامج الكرتون المعلية من قبل أطفالنا كبيرا، وجاء الكمبيوتر بألعابه المخيفة ليعمق من تلك الهوة، وزاد منها وجود ألعاب البلي ستيشن ليزداد الأمر تعقيدا ويصبح مكوث الطفل الديجتل في البيت رعبا حقيقيا لأولياء الأمور من أمثالي حيث أصبح أطفالنا بشاطروننا التلفزيون والكمبيوتر والانترنيت ولم يعد لنا نحن الكبار أية خصوصية في البيت، أطفالنا الديجتل استحوذوا وادمونوا على كل شي طبعا باستثناء الكتب التي كساها الغبار والتراب ولم يعد احد يهتم بها.
يا ترى لو كان زماني هو زمان طفلتي، ولو كانت القنوات الكرتونية في الفضاء المفتوح مفتوحة طوال اليوم، ولو كان الكمبيوتر والانترنيت والبلاي ستيشن وكافة المغريات الطفولية موجودة يوم إن كنت صغيرا، هل يا تراني سأتسمر مع أصدقائي أمام شاشة التلفزيون لمتابعة ما يحدث لسالي وما يجرى لسنان وما ينتظر الكلب بن بن وما يحدث لعدنان ولينا؟
أترك كل هذه التساؤلات مفتوحة لأولياء الأمور من أمثالي.
تعليقات