حديث شريف.
أغبط
كثيرا سكان القرى، وأتمنى من كل قلبي أن أعود الى أحضان القرية التي أُخرجت منها
بسبب الوظيفة، أحن كل يوم إلى تلك الأيام الخوالي التي قضيتها هانئا مطمئنا لا
أشكو فيها من ضيق الوقت ولا قصر اليوم. كل يوم نكبر فيه هو يوم تزداد فيه مشاغلنا،
ويقل فيه فراغنا، وينقضي فيه يوم من عمرنا.
أحيانا نتمنى أن نحيا حياة آبائنا، في هدوئهم
وسكينتهم وفي بركة الوقت لديهم، صباحهم يبدأ قبل أذان الفجر بهدوء وسكينة ووقار
وحب للحياة ليوم جديد، يصحون على أصوات الطبيعة وتغريد طيورها، يحمدون الله
ويشكرونه على أن من عليهم بحياة جديدة ويوم جديد، يتناولون عقب الصلاة فطورهم بكل
سكينة وراحة، يلتقون مع بعضهم البعض مع أهلهم وجيرانهم واخوانهم، يسردون ما مضى
عليهم من يوم وما يقبل عليهم من يوم آخر وهم يتناولون ما تيسر من طعام وقهوة تحت
شجرة أو غافة أو ظل ظليل، يذهبون بعدها كل الى عمله بكل سكينة واطمئنان، ويبدو
يومهم طويلا ينجزون فيه الكثير من الاعمال بكل راحة وطمأنينة، يساعدهم في ذلك
وسائل النقل من الدواب والانعام التي تعينهم على العمل والجد وانجاز أعمالهم.
الآباء كان لديهم احترام كبير لكل الاوقات، وقت
الراحة محترم ومقدر، وقت الصلاة إلزامي وإجباري في حينه، وقت الغداء والاكل في
ساعته ووقت النوم والقيلولة لا يخطئونها، كل شىء عندهم بميزان، وفي نهاية اليوم
يرجعون الى مضاجعهم هانئين مطمئنين بدون ضجيج وزحمة آلات الانارة التي تخطف
الابصار، هم والنجوم والقمر متسامرون.
حياتنا نحن الابناء هي على عكس ذلك تماما، بعد
سبات ونوم ليلي نصحو على صوت منبه الهاتف النقال يوقظنا لنبدأ يوما جديدا، ما أن
نقوم باسكات هذا الصوت المزعج الا ونلقي أول نظرة لنا بعد بعثنا من جديد على هذا
الجهاز الصغير، هل من اتصال؟ هل من رسائل؟ هل من بريد الكتروني؟ هل من صور؟ حتى قبل أن نحمد الله على أن من علينا بالحياة
ليوم جديد وأحيانا من بعد ما أماتنا.
نتناول
فطورنا في السيارة، حتى كوب الشاي وقطعة الخبز الصغيرة ليس لدينا وقت لتناولها في
المنزل مع الاسرة والعائلة، الكل يذهب الى عمله مسرعا، زحام وسرعة ولهاث في كل شىء
في الشارع، في العمل، في المنزل، في كل شىء نحن متأخرون ونسرع للحاق بأي شىء
يمكننا أن نلحقه.
نأكل
بسرعة، ننجز أعمالنا بسرعة، نتعرف على أناس جدد يدخلون حياتنا بسرعة، نحب بسرعة،
نكره بسرعة، نبدل أشيائنا بسرعة، عصرنا نعتناه بعصر السرعة، من لم يجار سرعتنا فلا
مكان له بيننا. من أردا أن يكون بطيئا فليذهب لزمن الآباء والأجداد ويعيش بينهم
يمتطي دوابهم ويعيش حياتهم البطيئة.
"ليس
لدي وقت" كلمة صار يرددها الجميع من الصغير وحتى الكبير، ولا أدري بحق لماذا
لا يوجد لدينا وقت ونحن نملك الفراغ كله، نقضي الساعات في مشاهدة التلفزيون، ونقضي
مثلها في رسائل الدردشة التي لا تسمن ولا تغني. نقضيها متنقلين من جهاز لآخر فمرة
على جهاز الكمبيوتر بعدها الى الهاتف النقال ونظرة أخرى الى جهاز التلفزيون ورابعة
الى الجهاز اللوحي وهكذا هي حياتنا غارقة في اللاوقت الذي نضيعه على اللاشىء حتى نتفاجأ بأننا رحلنا عن هذه الدنيا
ولم ننجز الا القليل لأنفسنا بسبب أنه ليس لدينا وقت.
تعليقات