سريعة هذه هي عاملة المنزل التي تعمل لدينا، بمفهوم هذا الزمان هي مدبرة ومديرة المنزل فكل شيء يتعلق بالمنزل ابتداء من المطبخ الذي تعتبره مملكتها لا ترضى لأحد أيا كان حتى لو كانت زوجتي أن تدخله إلا للأكل، وكل ما بقي من المنزل يقع تحت مسؤوليتها.
الكبار قبل الصغار إذا أرادوا شيئا يخصهم في المنزل فإن سريعة هي التي تعرف مكانه وأين وضع وسهولة الحصول عليه.
سريعة وين نعالي، سريعة وين قميصي، سريعة وين مقص الأظافر، سريعة وين مصري الجديد سريعة سريعة سريعة، وتستمر نداءات البيت من كل صوب عن أشيائهم الشخصية في بيتهم.
سريعة غادرتنا هذا الأسبوع لقضاء إجازتها مع أسرتها وتركتنا وحيدين، من يا ترى سيساعدنا في إيجاد أشيائنا الخاصة جدا غير سريعة؟ من سيطبخ لنا أكلاتنا العمانية المفضلة من القبولي والعوال والسمك والعرسية والهريس والأكلات العربية والأسيوية، من سيكوي لنا ملابسنا ويصففها ويبخرها لنا ، من سيعتني بالأطفال ويحممهم ويعطرهم ومن ومن ومن؟
استعدادا لهذا اليوم الموعود واقصد به موعد سفر مدبرة منزلنا، جلسنا أنا وحرمي المصون لتدابر عواقب ما سينتج عن غيابها وأقصد هنا غياب العاملة وليس غياب الحرم المصون لان غياب الحرم المصون قد يكون أهون قليلا من غياب مديرة المنزل. تدارس وتدبر الأمر هذا أفضى إلى إننا بحاجة ماسة إلى بديل يمكنه أن يحل محل من تركته، ولكن يبقى الأمر من أين لنا مثل سريعة؟ وهل كل خادمات المنزل سيكن مثلها؟ وهل سنأتمنها على أسرار منزلنا الخاصة؟ وهل ستستطيع الخادمة الجديدة أن تعطي نفس عطاء الأولى؟. وبعد نقاشات استمرت أشهر بسبب أننا لم نستطع نحن العرب أقصد عرب المنزل أن نقرر ما إذا كنا سنجلب أخرى لتسهل لنا حياتنا وتيسرها أم أننا سنستطيع تدبر أنفسنا خلال فترة غياب مديرة منزلنا. بعد مداولات طويلة جدا، تعصبت لرأيي وقررت أن أكون دكتاتورا المنزل ولا أتنازل عن حقي في الحكم أسوة بإخواني من الحكام العرب اللذين لم يستمعوا ولن يستمعوا إلى نداءات شعوبهم، فأصدرت مرسوما وقرارا وفتوى منزلية بعدم جواز الاستعانة بالآخرين من الخارج لأنهم سيكونون جواسيس وقد يكونون مدعومين من جهات خارجية تهدف إلى تخريب بيتنا ونقل اسراره إلى بيوت الحارة الأخرى.
"من أتخذ قرارا جريئا كهذا عليه تحمل عواقبه" هكذا قالت زوجتي وهي تشير إلى أننا سنتقاسم مسؤولية المنزل مع بعض وربما يكون من نصيبي غسيل الملابس وكيها أو الطبخ أو تنظيف البيت فليتحمل كل فرد منا مسؤولية قراره وعليه أن يتقبل ذلك بروح طيبة.
أجزم أن ما ينطبق علي ينطبق على أكثر من تسعين في المئة من الشعب، الكل يعتمد على خادمات المنزل في كل شيء الزوجة تذهب للعمل وعندما تعود فهي إما أمام التلفزيون أو بيدها جهازها المحمول المتطور جدا البلاك بيري أو الايفون وأن تركت ذلك فلحساب جهاز الكمبيوتر والانترنيت، والزوج كذلك إن كان موجودا في المنزل فهو موجود بالجسم فقط إما انه منشغل بالتلفزيون أو الانترنيت أو هاتفه النقال يتحدث مع أصحابه أو انه في المنزل للنوم فقط، الأطفال والأولاد الكبار قليلا كل في عالمه وفي غرفته الخاصة لا يدري أحد عنهم شيئا ويعلم الله ماذا يصنعون ويبقي الوحيد الذي يعرف أسرار كل فرد في العائلة هي العاملة أو خادمة المنزل التي ترتبط مع كل فرد على حدة.
كثير من القيم عُطلت أو تعطلت في حياتنا ونحن أنفسنا من قام بتعطيلها وليس كما يسهل علينا إلقاء اللوم على الحياة وظروفها التي باتت اليوم جريا وركضا وراء لقمة العيش، قيمنا تلك التي تربينا عليها لم نستطع أن نربي عليها أبنائنا والنتيجة هي ما نحصده اليوم من احتجاجات الشباب والجيل الجديد ابتداء من المنزل وانتهاء بالشارع على الشيء واللا شيء كما يقول كبار السن.
تعليقات