كلنا يعرف قصة المرأة التي استجارت بالخليفة المعتصم بالله عندما جار عليها الأعداء فاستنجدت بصرختها بأمير المؤمنين الذي هب لنجدتها، بعد تلك المرأة أصبح كل من أراد أن يستنجد بأحد من جور آخر، يصيح بأعلى صوته وامعتصماه فذهبت هذه الجملة مثلا للاستجارة وطلب النجدة.
في هذا الزمان أطلق كل من وقف احتجاجا على شيء لم يعجبه اسم "اعتصام"، وربما -أقول ربما- حملت هذه الكلمة دلالة على أن المعتصمين يستجيرون بمن يعصمهم ممن اعتدى عليهم.
شهدنا كما شهد غيرنا من بلاد العرب اعتصامات كثيرة منها ما طالب بتحسين مستوى معيشة وزيادة في الأجور ومنها ما طالب بأشياء ذهبت أبعد من لقمة العيش والوظيفة بكثير حينما طالبوا بدساتير وتعديل في بعض القوانين ومنهم من طالب بمحاكمات من أطلقوا عليهم رموزا للفساد.
تفرق شمل أغلب المعتصمين عقب فورة الغضب فأذهبت رياح الاصلاحات بعضا منها، في حين بقي الآخرون في خيامهم التي لم تزعزعها أو تقتلعها رياح المطالبات لهم بفك اعتصاماتهم أو ثنيهم عن مغادرة المكان.
اللافت في الأمر أن الاختلاف في وجهات النظر بين المطالبين بكسر اللام والمطالبين بفتحها لا يعدو كونه نقطة خلاف بسيطة يمكن تجاوزها وبسهولة تامة حيث إن الاختلاف هو سمة من سمات البشر وهي جبلة جبل الله الناس عليها منذ خلقهم وهو القائل عز وجل في كتابه الكريم (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة وما يزالون مختلفين، إلا من رحم ربك) فالاختلاف هنا كما قال عنه حجة الإسلام أبو حامد الغزالي: "كيف يجتمعون على الإصغاء لرأي واحد وقد حكم عليهم في الأزل بأنهم لا يزالون مختلفين" فالله قد خلق الناس مختلفين في كثير من الأشياء منها اللون والعرق والدين والتفكير، والاختلاف في الرأي من الطبيعي أن يكون من إحدى سمات الخلق التي جبل الله المخلوقات عليها، فلذا وجب أن لا يتعصب الناس "المطالَبين والمطالِبين"لبعضهم البعض ويعتقدون أن ما يقومون به هو الصواب بعينه وأن ما يقوم به الآخر هو الخطأ ذاته، حيث إن هنالك فئة تعتقد بأنها على صواب والأخرى على خطأ والآخر ينظر إلى قرينه بأنه على خطأ وهو على الصواب ويبقى كثير من الناس ضائعا بين الفئتين يصدِّق من ويكذِّب من، يقف في صف من ويبتعد عن صف من.
يبقى الحوار هو الطريق الأقصر والأفضل والأسلم للوصول إلى تفاهم يمكن أن تلتقي فيه الأطراف بدون إحداث كثير من الجلبة والصخب ويمكن لكل طرف توضيح وجهة نظره للآخر بطريقة حضارية راقية ويستمع كل الطرفين للآخر، عندها سنجد أنفسنا بأننا لسنا بحاجة إلى اعتصامات ونداءات لمعتصم حتى ينجدنا مما نحن فيه.
تعليقات