التخطي إلى المحتوى الرئيسي

فتـاوى الجــدل



قيل "إن اختلاف العلماء رحمة للامة"، ومن هذا الباب وسع كثير من العلماء فتاواهم على حسب المذاهب التي ينتمون لها، وكما هو حال عصرنا من اثارة للجدل والاختلاف فقد جاءت الفتوى لتعبر عن هذا الحال ولتثير الكثير من الكلام والجدل واللغط حولها وحول من أفتوا بها.

هنالك من الفتاوى ما يثير الضحك والسخرية في ذات الوقت لانها لا تتناسب مع الزمان الحاضر الذي تقال فيه، كما وأنه لم يتم اثارتها من قبل، وفضل العلماء السابقون السكوت عنها الى أن أتى علماء هذا الزمان فأثاروها ونفضوا الغبار عنها فصارت حديث الناس ويتم تناقلها بين الناس ليس على أنها فتوى من قبل شيخ ما وانما على سبيل التندر والضحك.

في الاونة الاخيرة سمعنا الكثير من الفتاوى التي تثير الضحك فمنهم من أفتى بجواز إرضاع المرأة لزميل العمل أو كما أطلق عليها فتوى ارضاع الكبير، ومنهم من أباح إفطار اللاعبين في رمضان، ومنهم من افتى بان التدخين لا يبطل احرام الحاج، وغيره ممن أباح تناول بعض المشروبات التي تحتوي على نسبة ضيئلة من الكحول. وعلى الرغم من صحة أو عدم صحة هذه النوعية من الفتاوى واقتناع أصحابها بها وسوقهم للكثير من الادلة من القرآن والسنة على صحة معتقداتهم فانه يبقى ان اثارة مثل هذه النوعية من الفتاوى في هذا الوقت يثير الكثير من الشك والريبة والجدل بين الناس، فيبقى صاحب الفتوى معلقا بين فتواه وبين ما يقوله الناس عنه فيضطر في كثير من الاحيان الى سحب فتواه.

استغل الكثير من الناس الفتوى لتأثيرها على الناس، لان العامة غالبا ما يصدق كلام العلماء، وما يصدر عنهم يعتبر بمثابة الفتوى الشرعية، لذا نجد أن الكثير من ذوي الاختلاف والجدل يلجأون الى العلماء لتبرير بعضا من اختلافاتهم ومواقفهم فتأتي الفتوى كرد على بعض من يخالف المخالفين أو وسيلة لتبرير بعضا من وجهات نظرهم.

كثر المفتون وسهلة الفتوى، فصار الجميع يفتي بعلم وبغير علم في كل مكان وفي كل زمان، سهلت وسائل الاتصال الحديثة الفتوى فصرنا نرى كل يوم مفتي على الهواء ينثر فتواه على مسمع ومرأى الجميع وصار الناس يتنقلون من مفتى لاخر طلبا لمن يتساهل ويتخفف معهم في الفتوى، وان لم يجد انتقل الى طلب الفتوى الالكترونية التي يمكن أن تأتيه من أي مكان ومن أي أحد في هذا الكون الشاسع فيختار منها ما تناسب هواه.

خطورة ما نحن فيه من تهاون البعض في الفتوى واستسهال الاخر لها يثير الكثير من التساؤل الى المكان الذي يمكن أن نصل اليه بهذه الفتوى، وما الذي يمكن أن تجره على مجتمعاتنا الاسلامية من مخاطر جمة، ومهما كان من أمر اختلاف العلماء رحمة للامة يبقى ان ليس كل من سؤل سؤال هو عالم ..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ashouily@hotmail.com

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها ...

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج...

الأشجار تموت واقفة

تروي لنا الحكايات انه في جزر سليمان الواقعة في جنوب المحيط الهادي أنهم اذا أرادوا اقتطاع شجرة فان القبيلة تجتمع من حولها وتاخذ في لعنها وبعد ايام تموت الشجرة. هكذا وردت هذه العبارة على لسان الممثل الهندي عامر خان في فيلمه " الطفل المميز" أو بالهندية ان أصبت نطقه فهو " تاري زامن بار" Taare Zamen Par . ويتحدث الفيلم عن طفل صغير لديه صعوبات في التعلم ولا يستطيع تمييز الحروف من بعضها وليست لديه المقدرة على الفهم كباقي زملائه وأقرانه مما جلب عليه سوء معاملة من والده أولا ومن معلميه ثانيا، غير أن مدرسا للفنون كان قد اصيب بمثل هذا المرض من قبل شخص حالة هذا الطفل وبدأ في علاجه واقناع الجميع بأنه طفل مبدع مبتكر لا سيما في الرسم. حالة هذا الطفل وغيره من الاطفال تشخص اليوم على أنها نوع من مرض التوحد وتتمثل أعراضها في الانعزالية وعدم التواصل مع الاخرين واضطرابات في النوم والاكل والشرب وغيرها من الاعراض، وقد يصاب المرء بالعجب عندما يقرأ بأن عددا من المخترعين والمفكرين والادباء والفنانين التشكيلييين العالميين كانوا مصابين بهذا المرض من أمثال موتسارت وبيتهوفن ومايكل أنغل...