التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الادب وقلة الادب



الشعرة الفاصلة بين الادب وما يطلق عليه قلة أدب، قد تكون واضحة لنا معشر القراء، ولكن هذه الشعرة لا تتضح لمن يكتب مثل هذا النوع من الادب بدعوى أن ما يكتب هو من باب حرية الادب التي لا تعترف بأية قيود أدبية.

قلة الادب هي نتاج للعصر الذي نحياه، وقد لا أعني هنا بقلة الادب هو ذهاب الحياء، ولكن قلة الادب تعني أن ما يطلق عليه أدبا وفنا صار اليوم قليلا ومن قلته صرنا نطلق عليه قلة أدب، فما يقرأ ويسمع ويشاهد اليوم من أدب بات لا يراعي أية قواعد للأدب، فنرى أن قلة الادب باتت هي المتسيد في حياتنا اليومية.

الكثير مما تقرأه اليوم بات يحمل صيغة قلة الادب، والكثير أيضا مما نشاهده صار يحمل طابع قلة الادب، وكأن العصر الذي نعيشه اليوم صار عصر قلة الادب وبتنا نترحم على عصور الادب الذي كان فيه الادباء يحترمون القارىء والمشاهد والسامع، وكان فيه المتلقي للادب محترما يحترم ما يتلقاه من أدب.

قرأت مرة لاديب عربي ينفي العلاقة بينه وبين ما يكتبه، أو بمعنى آخر يتبرأ مما يكتبه، حيث يقول بان الشخصيات التي يكتبها في قصصه ورواياته وما تعبر عنه هي ليس ما يعتقده هو، فقد يعتقد هو شىء وتأتي القصة لتعبر عن شىء نقيض. فمثلا قد لا يعتقد هذا الكاتب بجواز العلاقات بين الرجل والمرأة، لكنه عندما يكتب ذلك في رواية أو قصة فانه يبيح ذلك للبطل أو للبطلة.

بهذا العذر أباح الكثير من الادباء والكتاب والفنانين لانفسهم الكثير من الحرية ليكتبوا ويرسموا ويمثلوا ويصنعوا أشياء قد لا تعبر في الحقيقة عنهم لكنها مباحة لهم عندما يرتدون عباءة الادب.

قلة الادب نراها كل يوم ماثلة أمام أعيننا وعلى مسمع من آذننا، نقرأها في الكتب، نراها في التلفزيون والسينما والانترنيت، نسمعها في الاذاعة والاغاني والفيديو كليب، نشاهدها في اللوحات الفنية المعروضة على أنها فن سريالي أو تكعيبي لا نفهم نحن مغزاه ويفهمهه المختصون، نراه في الشارع لرجال ونساء خلعوا عباءة القيم والعادات والحياء وباتوا يمرحون بدعوى الحرية والتحرر.

مرة أخبرني أحدهم قصة عن الرواي الجميل نجيب محفوظ عندما التقى بفنانة مصرية فدار بينهما حوار عن أن أدبه لم يستطع أن يجعله ثريا ، فكان رده بان قلة الادب هي ما جعل منها ثرية..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ashouily@Hotmail.com

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها ...

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج...

الأشجار تموت واقفة

تروي لنا الحكايات انه في جزر سليمان الواقعة في جنوب المحيط الهادي أنهم اذا أرادوا اقتطاع شجرة فان القبيلة تجتمع من حولها وتاخذ في لعنها وبعد ايام تموت الشجرة. هكذا وردت هذه العبارة على لسان الممثل الهندي عامر خان في فيلمه " الطفل المميز" أو بالهندية ان أصبت نطقه فهو " تاري زامن بار" Taare Zamen Par . ويتحدث الفيلم عن طفل صغير لديه صعوبات في التعلم ولا يستطيع تمييز الحروف من بعضها وليست لديه المقدرة على الفهم كباقي زملائه وأقرانه مما جلب عليه سوء معاملة من والده أولا ومن معلميه ثانيا، غير أن مدرسا للفنون كان قد اصيب بمثل هذا المرض من قبل شخص حالة هذا الطفل وبدأ في علاجه واقناع الجميع بأنه طفل مبدع مبتكر لا سيما في الرسم. حالة هذا الطفل وغيره من الاطفال تشخص اليوم على أنها نوع من مرض التوحد وتتمثل أعراضها في الانعزالية وعدم التواصل مع الاخرين واضطرابات في النوم والاكل والشرب وغيرها من الاعراض، وقد يصاب المرء بالعجب عندما يقرأ بأن عددا من المخترعين والمفكرين والادباء والفنانين التشكيلييين العالميين كانوا مصابين بهذا المرض من أمثال موتسارت وبيتهوفن ومايكل أنغل...