الشعرة الفاصلة بين الادب وما يطلق عليه قلة أدب، قد تكون واضحة لنا معشر القراء، ولكن هذه الشعرة لا تتضح لمن يكتب مثل هذا النوع من الادب بدعوى أن ما يكتب هو من باب حرية الادب التي لا تعترف بأية قيود أدبية.
قلة الادب هي نتاج للعصر الذي نحياه، وقد لا أعني هنا بقلة الادب هو ذهاب الحياء، ولكن قلة الادب تعني أن ما يطلق عليه أدبا وفنا صار اليوم قليلا ومن قلته صرنا نطلق عليه قلة أدب، فما يقرأ ويسمع ويشاهد اليوم من أدب بات لا يراعي أية قواعد للأدب، فنرى أن قلة الادب باتت هي المتسيد في حياتنا اليومية.
الكثير مما تقرأه اليوم بات يحمل صيغة قلة الادب، والكثير أيضا مما نشاهده صار يحمل طابع قلة الادب، وكأن العصر الذي نعيشه اليوم صار عصر قلة الادب وبتنا نترحم على عصور الادب الذي كان فيه الادباء يحترمون القارىء والمشاهد والسامع، وكان فيه المتلقي للادب محترما يحترم ما يتلقاه من أدب.
قرأت مرة لاديب عربي ينفي العلاقة بينه وبين ما يكتبه، أو بمعنى آخر يتبرأ مما يكتبه، حيث يقول بان الشخصيات التي يكتبها في قصصه ورواياته وما تعبر عنه هي ليس ما يعتقده هو، فقد يعتقد هو شىء وتأتي القصة لتعبر عن شىء نقيض. فمثلا قد لا يعتقد هذا الكاتب بجواز العلاقات بين الرجل والمرأة، لكنه عندما يكتب ذلك في رواية أو قصة فانه يبيح ذلك للبطل أو للبطلة.
بهذا العذر أباح الكثير من الادباء والكتاب والفنانين لانفسهم الكثير من الحرية ليكتبوا ويرسموا ويمثلوا ويصنعوا أشياء قد لا تعبر في الحقيقة عنهم لكنها مباحة لهم عندما يرتدون عباءة الادب.
قلة الادب نراها كل يوم ماثلة أمام أعيننا وعلى مسمع من آذننا، نقرأها في الكتب، نراها في التلفزيون والسينما والانترنيت، نسمعها في الاذاعة والاغاني والفيديو كليب، نشاهدها في اللوحات الفنية المعروضة على أنها فن سريالي أو تكعيبي لا نفهم نحن مغزاه ويفهمهه المختصون، نراه في الشارع لرجال ونساء خلعوا عباءة القيم والعادات والحياء وباتوا يمرحون بدعوى الحرية والتحرر.
مرة أخبرني أحدهم قصة عن الرواي الجميل نجيب محفوظ عندما التقى بفنانة مصرية فدار بينهما حوار عن أن أدبه لم يستطع أن يجعله ثريا ، فكان رده بان قلة الادب هي ما جعل منها ثرية..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعليقات