قبل عقد من الزمان كنا نسمع عن مسعى أن تكون الحكومة الكترونية، ولكن هذا المصطلح يبدو أنه اليوم في طريقه إلى الزوال ليحل محله مصطلح وفهم جديد للتعامل الالكتروني للحكومة مع المجتمع وهو مصطلح الحكومة الذكية يتماشى مع ما يتطلبه هذا العصر من ذكاء الكتروني يتمثل في أجهزة الاتصال والتواصل الذكية التي ربطت العالم شرقه بغربه بلمسة بسيطة من إصبع مواطن ذكي.
هنا يثار
تساؤل، هل يمكن أن نصنف الخدمات التي تقدمها الحكومة للفرد والمواطن على أنها
خدمات ذكية وأن حكومتنا أصبحت حكومة ذكية؟ أم أننا أنجزنا كثير من الخطوات في
ميدان الحكومة الالكترونية ونتهيأ قريبا لترقية خدماتنا الالكترونية لتصبح خدمات
ذكية تصل للجميع أينما كان وفي أي وقت شاء؟ أم أن حكومتنا لا تزال والى اليوم في
كثير من قطاعاتها لا تزال ورقية ولم تستطع حتى الآن من تقديم خدماتها للجمهور سوى
باستخدام الورقة والقلم؟
عندما
تضطر للمرابطة على باب إحدى المؤسسات الحكومية منذ صلاة الفجر كي تحصل على رقم
يتيح لك الفرصة لإنهاء معاملتك الكترونيا، فهذه ليست حكومة ذكية ولا حتى الكترونية.
وعندما تضطر إلى حمل كل أوراقك في حقيبة وكأنك ذاهب إلى المدرسة ويطلب منك الموظف إبراز
كل أوراقك ومستنداتك، فهذه ليست حكومة الكترونية. وعندما تضطر إلى قطع مئات
الكيلومترات لإنهاء معاملة ويجيبك الموظف بأن "النظام اليوم ما شغال، راجعنا باكر"
فهذه ليست حكومة الكترونية. وعندما يتم تصوير ونسخ كل أوراقك الثبوتية وغير
الثبوتية وإدخالها في جهاز الحاسب الآلي ليتم تحويلها بطرق بدائية لدورة عمل اخرى
في نفس المؤسسة، فهذه ليست حكومة الكترونية. وعندما لا تزال الكثير والكثير من
مؤسساتنا الحكومية تعمل بنظام المعاملات الورقية ولا تقبل بديلا عنها، فهذه أيضا
ليست حكومة الكترونية.
نمتلك كل شيء تقريبا، لدينا المال والرؤية والإستراتيجية
ولدينا الهيئة المناط بها إحداث النقلة النوعية في التعاملات الحكومية من النمط
التقليدي المعتمد على الورقة والقلم إلى النمط الحديث الذي يغيب عنه وجه من نتعامل
معه، ولكن ما لا نمتلكه هي الإرادة الحقيقية للتغيير. الكثير من مؤسساتنا الحكومية
لا زالت ترفض فكرة التغيير والتحديث وكأن الانتقال إلى العالم الرقمي بالنسبة لها
يماثل الوصول إلى المريخ ولا أقول إلى القمر لان الإنسانية منذ دهر طويل وصلت إلى
ذلك القمر.
أحد
المشتغلين بتقنية المعلومات ومن أوكل إليه مهمة إحداث تغيير جوهري في هيكل التعامل
الحكومي مع المواطن أخبرني ذات مرة بأن العائق الأكبر في الانتقال إلى الحكومة
الالكترونية وليس الذكية طبعا هو بعض المؤسسات الحكومية التي ترفض تماما التعامل
الالكتروني ربما لان موظفي تلك المؤسسات سيفقدون كثير من المميزات التي تتيح لهم
التلذذ بمنظر طوابير المراجعين وهم يقفون على أبوابهم فيسمحون لهذا ويحجبون ذاك،
وربما قد تقل أهميتهم إن حلت الخدمات الالكترونية محلهم.
من يقارن
الخدمات الالكترونية والذكية المقدمة من القطاع الخاص للجمهور بالخدمات التي
تقدمها الحكومة يجد أن الكفة ترجح القطاع الخاص رغما عن أن ذلك القطاع لا يمتلك
كثيرا من المقومات التي تمتلكها الحكومة، غير أن هاجس تقليل الوقت والجهد والكلفة
هي المحفزات الرئيسة التي تدفع بذلك القطاع لانتهاج نهج التعامل الالكتروني مع من
يقدمون لهم الخدمة، وقد تغيب هذه العناصر الثلاث عن فكر صانعي السياسة في الحكومة
حيث أن الوقت كثير وما لا ينجز اليوم يمكن انجازه بعد شهر أو عام، أما الجهد فيمكن
تعويضه بزيادة عدد موظفي الورقة والقلم ممن يمكن تدريبهم على إنهاء عشر معاملات
بسيطة في اليوم الواحد، أما المال فهو مال الحكومة وهو مال عام يتشارك فيه كل
المواطنين ولا يهم كم المبالغ التي تدخل أو تخرج من والى خزانة الدولة.
غردت مرة
بعبارة قلت فيها " أن خدمات
الحكومة الالكترونية لا يطلبها المواطن لكن هي من تأتي إليه. تخيل يصلك بريد
الكتروني من الإسكان انك حصلت على أرض وتعال استلمها. هل نعيش لذاك اليوم؟"
وعلى الفور جاءني رد أحد الأصدقاء " يبدو أنك تقرأ روايات خيال علمي هذه الأيام".
أسعد الله صباحكم.
تعليقات