سأبدأ الحديث باقتباس
للمفكر العراقي الدكتور علي الوردي في كتابه " مهزلة العقل البشري" حيث
يقول “نرى المسلمين اليوم يذوبون حبا بالنبي ويتغنون في مديحه في كل
حين، وهم إنما يفعلون ذلك لأنهم ولدوا في بيئة تقدس النبي محمدا وتبجله. ولو أنه
ظهر بينهم بمبادئه التي قاومه عليها أسلافهم لما قصروا عن أسلافهم في ذلك"
ما يذهب اليه
الوردي في حديثه هو أننا كمسلمين نتعصب لهذا الدين لاننا ورثناه أبا عن جد ولأن
أجدادنا من الصحابة اعتنقوه وآمنوا بصاحب تلك الرسالة عن اقتناع منهم بأن العقيدة
الجديدة ما جاءت إلا لتخلصهم مما كانوا يعيشونه من الظلم والجهل، أما نحن أحفاد
الصحابة فلا نستطيع أن نتقبل حتى مجرد التفكير في عقيدة أخرى غير العقيدة التي
ندين بها، ولا نرضى بقبول مذهب آخر غير المذهب الذي ندين به، لأننا على قناعة تامة
من أن ديننا ومذهبنا وعقيدتنا هي العقيدة والملة الصحيحة وغيرها باطل وغير صحيح.
من يلقي نظرة علوية على المشهد العربي والإسلامي اليوم
يراه يعيش في جاهلية حديثة. تعصب حد الموت يصل إن تعلق الأمر بقبول الآخر أو
التعايش معه، لا صوت يعلو على صوت المذهبية والدينية والحزبية والطائفية، كل أطياف
المجتمع المتجانسة اُلغيت وهمشت وبقي طيف واحد فقط هو من اُعترف به واُعتبر بأنه
الهادي إلى سواء السبيل والمرشد إلى البر والتقوى، اُلغيت كل الملل والنحل
والشرائع والكتب السماوية الاخرى وبقي دين واحد هو دين المذهبية التي تأتمر بأمر
أميرها وتنتهي بنهيه.
"كل المسلم على المسلم حلال دمه وماله وعرضه" من
أراد أن يسفك دم أخيه استعان بمذهبيته وائتمر بأمر أميره ليجد له مبررا في ذلك، ومن أراد أن يسبي مال
أخيهَ، استعان بفتوى أميره لتبرر له فعلته، ومن أراد الحكم والوصول إلى منصب
الحاكم، أيضا استعان بدين مذهبه وسنة أميره ليبرران له مدى صلاحه وفساد الآخر. صار
مشهدنا العربي المسلم تحكمه مذهبية بغيظه لا تعترف سوى بشخص واحد ودين أوحد. بتنا
لا نعرف شيئا اسمه التعددية التي قال عنها الدكتور محمد عمارة في كتابه "
الاسلام والتعددية – الاختلاف والتنوع في إطار الوحدة" بأنها "القانون
العام في جميع ما خلق الله من عوالم ومخلوقات من الجماد إلى النبات إلى الحيوان والإنسان،
فما عدا الذات الإلهية فكل شيء قائم على التعدد والتنوع والاختلاف". فالتعددية
المذهبية قائمة وموجودة ولكنها تعددية في إطار وحدة إسلامية ودين واحد حتى وان
اختلف في بعض أجزائه لكنه متحد في جذوره وأصوله مثل الشجرة التي لها جذر واحد
وأغصان متفرعة.
لا زلنا بعد لم نبرح مكانا ولم نفارق المنطقة الصفرية في
فهمنا وعلاقتنا مع الآخر فيما يتعلق بضرورة التعايش السلمي مع كل أشكال الحياة
التي خلقها الله لنا في هذا الوجود، فإن كنا والى اليوم غارقين في الانبراء لدحض آراء
نصفنا الآخر وتسفيه معتقده وتكفير مذهبه وتقتيل أبنائه وإعلاء راية أتباع وخفض
رايات أًخر، فيبدو أننا لن نصل قريبا إلى ذلك السلام الداخلي الذي يبدأ من القلب
وينتشر بعدها إلى سائر الأعضاء. إن لم نؤمن بحتمية أننا مختلفون حتى في داخل
ذواتنا وأنفسنا ونتفهم أن هذا الاختلاف ما هو إلا لمصلحتنا ولحفظ تنوعنا في
الحياة، فلن نعي أبدا أننا لا بد أن نكون مختلفين مع الآخر وإن اختلافنا معه ليس
في أصل إنما هو في جذر صغير من جذور هذه الشجرة الكبيرة المتعددة الأغصان والوارفة
الضلال.
تعليقات