التخطي إلى المحتوى الرئيسي

معالي وزير التفكير


 
   هل معنى ما عنونته هذا المقال أن تكون هنالك وزارة للتفكير ويكون لها وزير ووكيل ومدراء وموظفون ويكون لها اختصاصات عمل ومهام تناط بها للعمل على زيادة التفكير لدى فئات الشعب والمجتمع ويصبح سكان تلك الدولة كلها صغارا وكبارا مفكرين ويعملون عقولهم وافئدتهم في التفكير والتدبر وابتكار الحلول المناسبة للمشاكل التي تعترضهم وتعترض سبل الرقي والحضارة لبلادهم؟

نعم فما عنيته هو عين الصواب فهناك وزارة للتفكير وهنالك وزير للتفكير هو الفنزويلي لويس ألبرتو ماتشادو الذي عين وزيرا لوزارة التفكير الفنزويلية عندما انشئت في العام 1979 بعدما استشعرت هذه الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية من أن الحاجة اصبحت ملحة للارتقاء بأساليب التفكير عند الشعب خصوصا لدى الطلبة في المدارس وأن الاون قد آن لتغيير اسلوب التفكير من الاسلوب التقليدي الى الاساليب الحديثة في التعليم والتدريب والتوظيف.
بدأ ماتشادو ورفقاه العمل على تغيير اسلوب التفكير لدى فئات الشعب في بلاده واستطاع خلال فترة وجيزة من احراز بعض التقدم حيث اشارت دراسة اجريت في الولايات المتحدة في العام 1999 عن مخرجات الثانوية العامة في فنزويلا وخرجت الدراسة بنتيجة أن درجات الذكاء عند الطلبة الفنزويليين مرتفعة وأن مستوى تفكيرهم عال جدا حيث كان الطلبة قد درسوا على مدار اثنتي عشرة سنة مقررات اجبارية في تعليم التفكير.
معالي وزير التفكير ألبرتو ماتشادو توج مسيرته المهنية بكتاب كتبه عن تجربته في قيادة وزارة التفكير اسماه " الذكاء حق طبيعي لكل فرد" خلص فيه إلى أنه يمكن للذكاء أن يدرس ويتعلم وهو ليس وراثي كما هو شائع مع الناس يخلفه الاب لابنائه من بعده وشدد الوزير في كتابه على الدور الذي ينبغي على الحكومة أن تقوم به تجاه رفع نسب الذكاء لدى الشعب قائلا " إن المهمة الأساسية للدولة هي التربية. وليس بالمستطاع أن تكون هناك مهمة للحكومة أعظم شأناً من الكفاح لرفع ذكاء الشعب".
اذا هو التعليم من يصنع الذكاء وهو من يصنع المفكرين والادباء والمهندسين والاطباء والمخترعين وغيرهم من فئات المجتمع التي ان فكرت ووظفت مهاراتها في التفكير ووجدت التشجيع والدعم والتقدير لابدعت ولانتجت الكثير من العلوم والمعارف والمخترعات التي تسهم في رقي وتطور ونماء الدول والحضارات.
ترى هل كان ماتشادو حالما – وهو بالمناسبة شاعر قبل ان يكون وزير- عندما فكر في تولي هذه الوزارة في بلد مثل فنزويلا التي لا يعرف عنها سياسيا سوى أنها مناهضة لبعض السياسات الغربية وهل نجح مشروعه النهضوي بالارتقاء بتفكير الامة الفنزويلية خلال فترة بقائه في منصبه والتي استمرت لست سنوات وهل أثمرت تلك التجربة عن نتائج أمكن تعميمها على مستوى العالم لتكون مثالا يحتذى به في تعليم التفكير الابداعي الخلاق وهل شهد العالم بعد ماتشادو تجارب مشابهة لوزارات تعنى بالتفكير والابداع والرقي بمستوى الفكر الانساني إلى درجات أكبر واعمق؟


أيا كانت الاجابات ومهما كانت نتائج هذه التجربة التي لا يزال العالم والى اليوم يتحدث عنها بأنها تجربة خلاقة حاولت كسر القوالب الجامدة في التفكير الانساني واستطاعت النفوذ إلى عوالم اخرى في التفكير واوقدت شرارة أن التفكير الانساني يمكن أن يعلم ويتعلم وأن تكون له مناهج وحصص دراسية إلا أنه يبقى لفنزويلا تجربتها الرائدة التي لم يستطع حتى اليوم أية دولة من دول العالم مجاراتها فيها وهي انشاء وزارة للتفكير مثلما قامت مؤخرا بانشاء وزارة للسعادة ولديها أول وزير للسعادة مثلما كان لديها وزير للتفكير.
ــــــــ



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها ...

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج...

الأشجار تموت واقفة

تروي لنا الحكايات انه في جزر سليمان الواقعة في جنوب المحيط الهادي أنهم اذا أرادوا اقتطاع شجرة فان القبيلة تجتمع من حولها وتاخذ في لعنها وبعد ايام تموت الشجرة. هكذا وردت هذه العبارة على لسان الممثل الهندي عامر خان في فيلمه " الطفل المميز" أو بالهندية ان أصبت نطقه فهو " تاري زامن بار" Taare Zamen Par . ويتحدث الفيلم عن طفل صغير لديه صعوبات في التعلم ولا يستطيع تمييز الحروف من بعضها وليست لديه المقدرة على الفهم كباقي زملائه وأقرانه مما جلب عليه سوء معاملة من والده أولا ومن معلميه ثانيا، غير أن مدرسا للفنون كان قد اصيب بمثل هذا المرض من قبل شخص حالة هذا الطفل وبدأ في علاجه واقناع الجميع بأنه طفل مبدع مبتكر لا سيما في الرسم. حالة هذا الطفل وغيره من الاطفال تشخص اليوم على أنها نوع من مرض التوحد وتتمثل أعراضها في الانعزالية وعدم التواصل مع الاخرين واضطرابات في النوم والاكل والشرب وغيرها من الاعراض، وقد يصاب المرء بالعجب عندما يقرأ بأن عددا من المخترعين والمفكرين والادباء والفنانين التشكيلييين العالميين كانوا مصابين بهذا المرض من أمثال موتسارت وبيتهوفن ومايكل أنغل...