التخطي إلى المحتوى الرئيسي

النظافة بين النظرية والتطبيق

من أمام منزلي أراقب أفواجا من الماشين والمارين وهم يمشون أو يهرولون مستمتعين بأجواء ما قبل غروب آخر خيط من شمس هذا الشتاء. أكثر هؤلا المارين هم من فئة الطلبة أو من يكبرهم، تراهم يمشون الهوينا وهم ممسكين بما يأكلونه أو يشربونه، وفي حال انتهائهم منه فإن مصير ذلك يكون الى الارض.
مدينتي نظيفة، ونظيفة جدا، وحصلت على الكثير من الاشادات والشهادات العالمية لنظافتها وجمالها، ليس لوعي طلابها وأفراد المجتمع فيها وإصرارهم على إبقائها نظيفة جميلة ، ولكن بسبب العدد الكبير والهائل من العاملين الوافدين اللذين يقومون على نظافة هذه المدينة وساكنيها منذ حتى ما قبل طلوع أول خيط من خيوط الشمس وحتى حلول الليل.
عثرت مرة على رد لبلدية مسقط، والتي هي إحدى البلديات المنتشرة في عماننا، يقول هذا الرد بأن " البلدية تقوم يوميا باعمال النظافة اللازمة لمختلف الاحياء والمرافق العامة في المدينة عبر برنامج يومي يبدأ من الساعة الثالثة فجرا وحتى الساعة السادسة مساء بكوادر وفرق نظافة تربو اعدادها على (1500) عامل وفني مجهزين بمعدات ومركبات وحاويات حديثة" وأعتقد بأن ما تقوم به هذه البلدية من دور تقوم به باقي البلديات في مناطق السلطنة، مهمتها هو المحافظة على النظافة والصحة في البيئة.
عودة على الطلبة، اللذين يمثلون شريحة كبرى من المجتمع تصل إلى ما يقارب ربع عدد السكان، وإشارة الى مسابقة المحافظة على النظافة والصحة في البيئة المدرسية التي انطلقلت في العام 1991 وأكملت بهذا العام أكثر من عقدين من عمرها، والتي حققت وبشهادة من الجميع معرفة نظرية كبيرة بالسلوك والنظافة وضرورة المحافظة عليهما سواء في داخل المدرسة أم خارجها، ولكنها وللاسف لم تحقق حتى هذا اليوم سلوكا تطبيقيا على أرض الواقع بدليل ارتفاع وتزايد أعداد العمالة الوافدة التي تسهر على إبقاء بلادنا نظيفة وخالية من أي ملوثات وأوساخ.
أخبرني أحد المشتغلين بهذه المسابقة، بأن طلاب المدارس لدينا هم من أفضل وأكفاء الطلاب في حفظ مبادىء النظافة، بل وفي تطبيق ذلك في رسوماتهم وعلى دفاترهم وعلى جدران المدارس وزواياهم، ولكنهم ما أن يدق جرس المدرسة مؤذنا ببدء الفسحة المدرسية حتى تنتشر الاوساخ والاوراق والقاذورات في أرجاء المدرسة وتبقى سلال القمامة فارغة تنتظر عامل النظافة حتى يملأها.
برأي شخصي بحت، لو كانت هذه المسابقة في دولة اخرى وقطعت هذا الكم من السنوات لكانت تلك البلاد من أنظف بلاد الله ولكان شعبها من أرقى شعوب الارض، ولكن يبدو أن أثر هذه المسابقة على طلابنا وشبابنا صارا عكسيا فبدلا من رفع شعار لننظف بلادنا رفعوا شعار لينظف غيرنا بلادنا.
مشهد الماشين من الشباب لم يكتمل بعد، ما بقي هو مشهد العامل الوافد وهو يمشي من بيت لبيت ومن حارة لحارة يجمع بقايا أوساخ تناثرت هنا وهناك بعضها قريب جدا من مكان القاء القمامة والبعض الآخر يقع بقرب مدرسة نصبت أمامها لوحة كبرى تقول فيها بأن " النظافة من الإيمان".

تعليقات

شكرا على الموضوع المميز

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها ...

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج...

الأشجار تموت واقفة

تروي لنا الحكايات انه في جزر سليمان الواقعة في جنوب المحيط الهادي أنهم اذا أرادوا اقتطاع شجرة فان القبيلة تجتمع من حولها وتاخذ في لعنها وبعد ايام تموت الشجرة. هكذا وردت هذه العبارة على لسان الممثل الهندي عامر خان في فيلمه " الطفل المميز" أو بالهندية ان أصبت نطقه فهو " تاري زامن بار" Taare Zamen Par . ويتحدث الفيلم عن طفل صغير لديه صعوبات في التعلم ولا يستطيع تمييز الحروف من بعضها وليست لديه المقدرة على الفهم كباقي زملائه وأقرانه مما جلب عليه سوء معاملة من والده أولا ومن معلميه ثانيا، غير أن مدرسا للفنون كان قد اصيب بمثل هذا المرض من قبل شخص حالة هذا الطفل وبدأ في علاجه واقناع الجميع بأنه طفل مبدع مبتكر لا سيما في الرسم. حالة هذا الطفل وغيره من الاطفال تشخص اليوم على أنها نوع من مرض التوحد وتتمثل أعراضها في الانعزالية وعدم التواصل مع الاخرين واضطرابات في النوم والاكل والشرب وغيرها من الاعراض، وقد يصاب المرء بالعجب عندما يقرأ بأن عددا من المخترعين والمفكرين والادباء والفنانين التشكيلييين العالميين كانوا مصابين بهذا المرض من أمثال موتسارت وبيتهوفن ومايكل أنغل...