في الأسبوع الفائت إنهالت علي رسائل من كل حدب وصوب تحثني على نصرة رسول الله وإن لم أنصره فإنني من المتخاذلين، من الهالكين، من الفاسقين. وهذا الأسبوع زادت غزارة هذه الرسائل انهمارا وفيها دعوة إلى مقاطعة عربية إسلامية لمواقع جوجل واليوتيوب النصرانيتين الحاقدتين على الإسلام وأهله، والمتآمرتين على الله ورسوله، والداعيتين إلى الفسوق والكفر والإلحاد، وأيضا إن لم أقاطعهما فإن الله بريء مني ورسوله إلى يوم الدين.
رددت في إحداها على من نصبً نفسه وصيا على الدين - بعد الله تعالى - بأنني مثله مسلم وأعتقد مثل اعتقاده وأذهب للمسجد للصلاة وأؤدي جميع أركان الإسلام الخمسة، وأن من يفترض أن يرسل له مثل تلك الرسائل هو غير المسلم من قام بإنتاج الأفلام والرسوم ومن تعدى على الدين وأهله.
هنالك كثير من الناس نصبواً أنفسهم أوصياء على الناس جميعا، فهم من انتهت إليهم الخلافة، وهم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، وهم من يفقه في أمر الدين والدنيا، وهم من يجب على الناس إتباعه والاقتداء به. إن قال شيئا يجب أن يؤمنً ورائه، وإن أبدى رأيا يجب أن يحمد عليه، وإن دعا إلى شيء فيجب أن يتبعً، وإن خرج في أمر فيجب أن يقتدى به.
هذه الوصاية البشرية ممن لا يمتلكون علما ومعرفة قادتنا إلى الكثير من المشاكل والمصائب، بدأت بمصادرة حق الناس في التفكير وإمعان العقل والتدبر والاجتهاد والتعبير عنها حتى وإن كانت تحتمل صوابا أو خطأ، بحجة أن أولئك لا يفقهون في أمر دينهم ودنياهم وأنهم لم يصلوا بعد إلى النضج العقلي الذي يؤهلهم لاستخدام عقولهم وألبابهم وإن استخدموها فالخوف كل الخوف من أن ينحرف بهم الفكر والعقل نحو الضلال والخطيئة والوقوع في الخطأ لان من حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه.
الوصاية البشرية لم تقف عند حد مصادرة العقل، بل امتدت إلى مصادرة النفس، فما يقوله المستخلف من نصبً نفسه قائدا وزعيما وإماما للمسلمين يجب أن يطاع ويجب أن يؤتمر بأمره وينتهي بنهيه. إن قال إنه بريء من فلان فإنه يباح ماله ودمه، وإن أعلن حربا على أعداء الله ورسوله فهي حرب تطال الروح والجسد ويجوز فيها إرهاق النفس وقتلها بمباركة الرب، إن خالفه في الرأي شخص فإن الفتوى تكون يهدر دمه ونفسه حتى وإن كان من ملة الاسلام والمسلمين.
هم لا يفقهون غير لغة العنف والقوة في التعامل مع مخالفيهم ومن عارضهم في الفكر. لا يلجأون إلى العقل والفكر في إقناع من خالفهم ولا يعتقدون بأن لغة الحوار يجب أن تسود البشرية، هم لا ينظرون إلى الآخر نظرة مساواة في الإنسانية والعيش والفكر، ولا يقرون بأن الله قد أمر رسوله منذ زمن طويل بالمجادلة مع الآخر بالتي هي أحسن، ولا ينظرون للآخر إلا من نظرة علوية تحمل الكثير من الازدراء والتقزيم.
حلف عليً مرسل الرسالة بأن أمرر رسالته إلى من أعرف ومن لا أعرف كي أنال رضا الله ورسوله في الدنيا والآخرة، وأن أتق الله في نفسي وأقاطع منتجات الكفار الحسية والمعنوية، الأرضية والسماوية وأن لا تأخذني في الله لومة لائم في أن أطبق شريعته في الأرض حتى نرد على ذلك الآخر باللغة التي يفهمها.
تعليقات