شخصيا أجد سهولة أكبر في التعامل مع بعض
الجهات في أمريكا وأوربا عن التعامل مع أحد المسؤولين أو المدراء في مؤسستي أو
إحدى المؤسسات الخدمية هنا في السلطنة.
فعلى الرغم من البعد المكاني والزماني
والعرقي واللغوي وكل الفروقات المختلفة بيننا نحن والعالم الآخر، إلا أن ذلك
العالم بات متقدما علينا في كثير من الامور ويحترم الوقت وكيان الانسان أكثر مما نحترمه
نحن في مجتمعاتنا ومؤسساتنا، فهم يسهلون ويبسطون اجراءاتهم لخدمة هذا الانسان أما
نحن فكل يوم نزيد من تعقيد هذه الاجراءات.
لا أريد أن اسهب في معوقات تطوير الاداء لا
سيما الحكومي منها فقد أشبعتها ندوة آليات تطوير الاداء الحكومي بحثا وتمحيصا
وتدقيقا ووضعت يدها على الكثير من جراح البيروقراطية والروتين وقلة وسوء استخدام
التقنيات الحديثة وازدواجية العمل في بعض المؤسسات وتداخل الاختصاصات بينها وهيمنة
بعض البشر ممن تجاوزهم الدهر على بعض المؤسسات وغيرها من المعوقات الكثيرة التي لن
تنتهي أو تحل بندوة أقيمت هنا أو دراسة أجريت هناك أو استطلاع أثبت وجود خلل في
الاداء و ضعف في البنية الادراية في الكثير من مؤسسات الدولة.
من المفارقات العجيبة إنك لو قلت لأي مسؤول
في أية وحدة ادارية بأن إجراءاتكم معقدة وهنالك الكثير من البيروقراطية والروتين
والبطء والخلل في منظومتكم الادارية فسيأتي رده بأننا قمنا بتبسيط الاجراءات كما
لم تبسط من قبل، ونحن نسهل على الناس أولا وموظفينا ثانيا تسهيل اجراءاتهم
وانهائها بسرعة كبيرة، فنحن أفضل من جيراننا الآخرين في مؤسسات أخرى التي تتعقد
فيها الاجراءات ويهرم الشخص في سبيل الحصول على خدمة.
ولكن، قد يكون كل ما قلته في الاعلى غير
صحيح، وقد يكون التعامل في بلادنا أسهل بكثير
من التعامل مع بعض الجهات في أمريكا وأوربا وفي كل دول العالم مجتمعة، إن كان لك
صديق أو عزيز في أحد الدوائر والمؤسسات لا سيما الحكومية منها.
يكفي أن تنطق بتلك الكلمة السحرية "
جاينك من طرف فلان" حتى تفتح لك الابواب والملفات والاوراق والمعاملات
المغلقة وتبدأ تلك المعاملات في إنهاء نفسها بنفسها ولن تكون بحاجة الى حضورك
الشخصي لانهاء معاملاتك أو من ينوب عنك لانك " جاي من طرف فلان".
هذه الكلمة تغنيك عن سنين من الجد والاجتهاد
والتعلم والمثابرة، تغنيك عن حضور الدورات التدريبية وصقل مهاراتك الوظيفية، تغنيك
عن انتظار الدور لإنهاء معاملاتك، وتغنيك عن الوقوع في الزحام بين عامة الناس، وتغنيك
عن فعل أشياء كثيرة لم تكن لتستطيع لها طلبا لو أنك لم تأت من طرف فلان ابن فلان.
هكذا أصبح حالنا، إن كانت لك مصلحة أو
معاملة في أية جهة فإن أول ما تفكر فيه من هو الشخص المناسب لتقديم المساعدة في
تلك المؤسسة أو هل أعرف فلان يعرف آخر يعرف غيره في تلك المؤسسة حتى اذهب له
بتوصية بدلا من أن أذهب بمفردي لا يعرفني أحد وفي أغلب الظن سأعود خائبا كما ذهبت
لانني لا أعرف فلانا أو لم ائت من طرف فلان.
ترى هل بإمكان أجهزة الرقابة المالية
والادارية وندوات التطوير الاداري والدورات التدريبية المنتشرة في كل مكان هذه
الايام، في إلجام وإسكات هذه الكلمة ومن على شاكلتها مثل الواسطة والمحسوبية
والرشوة وغيرها من السوس الذي ينخر في كيانات الكثير من المؤسسات والوحدات والشركات
أم أن كل ما يقال ويفعل لا يعدو كونه حبر على ورق لا يتجاوز الساعة التي قيل فيها.
تعليقات