التخطي إلى المحتوى الرئيسي



   استعرت عنوان هذا المقال من كتاب للمؤلف نبيل فهد المعجل الذي حمل نفس العنوان " يا زيني ساكت .. شىء من مزح ومرح"، ومع مراعاة الاختلاف بين ما تطرق اليه المؤلف في كتابه وبين ما قصدته أنا في هذا المقال، حيث أجدني بحاجة فعلا الى السكوت وملازمة الصمت في هذا الزمان الذي بات ينطبق عليه تماما القول الذي يقول " إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب".

كثيرة هي الاقوال والحكم والموروثات في تراثنا العربي التي تشجع الناس على الصمت بدلا من الكلام من مثل " خير الكلام ما قل ودل، رب سكوت أبلغ من كلام، لسانك حصانك إن صنته صانك ،، وغيرها من أمثال العرب التي تمتدح الصمت وتذم الكلام والثرثرة، ربما لان التراث العربي حافل بالكثير من المثرثرين واللاغطين في الكلام الذين وكما قال فيهم مثل عربي غيره " لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب".

نعم، يا زيني ساكت في هذا الزمان الذي كثر فيه الضجيج وكثر فيه الغث من الكلام وأصبحت الاكثرية تتكلم بكلام لا تفقه منه الكثير، وأمسى الباقون يرددون ما يقال لهم ويتبعون أهواء من تبعوهم بدون أن يمعنوا فيما يقولون ولا ما يعتقدون.

نعم، يا زيني ساكت في زمن باتت كل كلمة تخرج من فمك أو يخطها قلمك محسوبة عليك ويمكن أن تأول أو أن تحمل (بتشديد الميم) بكثير من التأويلات، ويمكن أن يساء فهمك في كثير من الامور التي تقولها حتى وان كانت بحسن النية وتقصد بها خيرا.

ما نشهده هذه الايام من إختلافات في الرأي بين طرفين يرى أحدهما أنه يحق له رفع صوته بما يشاء من كلام حتى وإن كان في ذلك نص صريح بعدم جوازه لا شرعا ولا عرفا، وبين فريق ثان يرى ضرورة أن تعًرف تلك الفئة بأن علو الصوت لا يعني الحق، وان استخدم في ذلك وسائل مختلفة للردع.

بين هذين الفريقين هنالك فريق ثالث ضائع بين الفريقين، فهو لا يدري هل يستمر فيما اعتاد عليه من قول وكتابة ونقد بناء أم أن الخوف من الآخر والرهبة من أن يفسر ما يكتبه أو يقوله على أنه تعدي للحدود وتحد للقوانين الذي تكثر ثغراته تجعله يقول يا زيني ساكت وأن السكوت أحيانا يكون أبلغ من الكلام فيؤثر الصمت على الكلام. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها ...

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج...

الأشجار تموت واقفة

تروي لنا الحكايات انه في جزر سليمان الواقعة في جنوب المحيط الهادي أنهم اذا أرادوا اقتطاع شجرة فان القبيلة تجتمع من حولها وتاخذ في لعنها وبعد ايام تموت الشجرة. هكذا وردت هذه العبارة على لسان الممثل الهندي عامر خان في فيلمه " الطفل المميز" أو بالهندية ان أصبت نطقه فهو " تاري زامن بار" Taare Zamen Par . ويتحدث الفيلم عن طفل صغير لديه صعوبات في التعلم ولا يستطيع تمييز الحروف من بعضها وليست لديه المقدرة على الفهم كباقي زملائه وأقرانه مما جلب عليه سوء معاملة من والده أولا ومن معلميه ثانيا، غير أن مدرسا للفنون كان قد اصيب بمثل هذا المرض من قبل شخص حالة هذا الطفل وبدأ في علاجه واقناع الجميع بأنه طفل مبدع مبتكر لا سيما في الرسم. حالة هذا الطفل وغيره من الاطفال تشخص اليوم على أنها نوع من مرض التوحد وتتمثل أعراضها في الانعزالية وعدم التواصل مع الاخرين واضطرابات في النوم والاكل والشرب وغيرها من الاعراض، وقد يصاب المرء بالعجب عندما يقرأ بأن عددا من المخترعين والمفكرين والادباء والفنانين التشكيلييين العالميين كانوا مصابين بهذا المرض من أمثال موتسارت وبيتهوفن ومايكل أنغل...