نعتقد جزاما أو جزافا بأن لنا مطلق الحرية في اختيار ما نشاء أو تناول ما نشاء أو لبس ما نشاء والتعبير عما نشاء، طالما امتلكنا أدوات هذا الشيء من دون أن يكون أحدا وصيا ومسئولا عنا ساعة ممارستنا لحريتنا المطلقة.
في هذه الأيام قد لا يلتفت الناس كثيرا إلى مفهوم مطلق الحرية أو الحرية الكاملة إلا عندما يتعلق الأمر بحرية التعبير سواء بالكتابة أو التظاهر أو الشجب والتنديد، عندها تظهر الكثير من الشعارات المرددة بأن الدستور والقانون وحقوق الإنسان وغيرها من المصطلحات قد كفلت لنا هذه الحرية المطلقة فلماذا إذا تمنعوننا من ممارسة هذا الحق ولماذا يتم مساءلتنا عما نكتبه ونتفوه به ولماذا ينقسم المجتمع إزائنا بين مؤيد ومعارض .
قرأت خلال الأسبوع المنصرم عن حادثتين لمدونيين خليجيين أحدهما بالمملكة العربية السعودية والآخر هنا معنا في سلطنة عمان، مارسا حقهما في التعبير المطلق عما يدور في رأسهما من أفكار ومعتقدات فقاما بتدوين ذلك في كتابات نشراها على صفحاتهما على الانترنيت. جاءت هذه الكتابات في مجملها لتطال من أعراض الآخرين.
الأول تطاول على ذات الرسول عليه الصلاة والسلام في تغريداته على موقع التويتر وفيها كان يخاطب الرسول بكلمات توحي بأنه لا يرغب في الصلاة عليه ويرفض كل قداسة هي للرسول وكلام من هذا القبيل فهمه الناس في مجتمع الرسالة بأنه إساءة حقيقية لشخص الرسول الكريم، فطالبوا بملاحقته أينما كان، حتى تم لهم ذلك وتم إعادته إلى أرض الحرمين وأعلن بعدها توبته من الإثم الذي اقترفته أصابع يديه مرددا بأن " التائب من الذنب كمن لا ذنب له" وأنه استغفر ربه وخر راكعا لمن لاحقه وأناب.
القصة الأخرى، قد تكون شبيهة بقصة المدون السعودي حمزة الكشغري، ولكنها لم تتطرق إلى ذات الرسول الكريم وإنما إلى ذات بعض أصحاب النفوذ (والسلطان)، وكشف فيها صاحبها ( معاوية الرواحي) في مدونته بعضا مما قال عنها بأنها أسرار هي شخصية حدثت له في صباه والبعض الآخر منها لبعض من جهات الدولة والحكومة. ولكنه كحال صاحبه الأول أسرع في توبته وطلب الصفح عمن أساء له وأعلن توبته من إلحاده بعدما تم توقيفه لأقل من يوم أو يومين.
قد يكون هؤلا الشباب المدونون وأمثالهم قد سمعوا كلاما كثيرا عن هذه الحريات وإطلاقها لا سيما في الغرب الأوربي وسعوا بأن يحذوا حذوهم فيما ذهبوا اليه واعتقدوا به، الا أن المجتمعات تتغير والبيئات لا تتشابه فما يجوز لنا لا يجوز لهم وما يباح لهم قد لا يباح لنا، ويبقى لدينا أن حرية التعبير في مجتمعنا الشرقي ليست مطلقة ولكنها تبقى في حدود مقيدة، لا يمكن للمرء أن يتعرض لغيره بالسوء ويبقى طليقا، ولا يمكن أن يعرًض في أعراض الآخرين ولا يمسه أحد بسوء، فهنالك حدُ فاصل بين الحرية ومطلق الحرية.
تعليقات