عقب الثورات العربية أو ما يحلو للبعض تسميته بربيع العرب ارتفعت حدة النقد في مجتمعاتنا العربية وكأن هؤلا الناقدون كانوا ينتظرون هذه الفرصة للتعبير عن آرائهم النقدية التي لم يكن يستطيعون المجاهرة بها في ظل أنظمة حكم كانت قائمة آنذاك.
ونحن هنا في عمان حالنا حال كل العرب، ارتفعت لدينا هذه النبرة وأصبح الطفل الصغير في المدرسة ينتقد والشاب ينتقد والمتعلم وغير المتعلم ينتقد طالما أن الامر أصبح متاحا للجميع بما بات يسمى " حرية التعبير".
دعوني أستعرض ثلاث قصص حدثت لي شخصيا لنقف على هذا الموضوع.
القصة الاولى:
ما إن انتهى إمام وخطيب صلاة الجمعة في حارتنا من الخطبة والصلاة والتي ألقاها ارتجالا وبدون أن يرجع للورق – كما هو حال باقي ائمة المساجد- وكان موضوعها عن استغلال الوقت. الا وانبرى أحد المصلين أمام الجميع ينتقد الامام وموضوع خطبته موجها اليه كلامه قائلا بأن المجتمع بحاجة الى خطب جمعة يركز فيها على مشاكل المجتمع ضاربا بذلك مثالا على وجود بعض السجناء في السجون بدون وجه حق. وان خطب مثل استغلال الوقت وغيرها لم تعد تصلح اليوم لتلقى على المصلين في المساجد.
القصة الثانية:
دائما ما تجمعني لقاءات مع الاصدقاء ويبدأ محور الحديث بصورة تلقائية عن الحديث عن تقصير الحكومة في أداء واجبها وأن المشاكل التي حدثت وتحدث اليوم ما هي الا جزء من تركة خلفتها الحكومة والمسؤولين. ونبدأ في طرق جميع أبواب النقد حتى نصل الى القول بأن المجتمع لن يصلح الا إن صلح المسؤول والحكومة.
القصة الثالثة:
أحب دائما أن استمع الى صوت الاذاعة وأنا في طريق ذهابي وعودتي الى عملي، في الصباح الباكر خصصت بعض البرامج لاستقبال النقاد والاستماع الى شكواهم وفي المساء أفردت المساحة بصورة أكبر لكل قنوات الاذاعة. تفتح الجريدة اليومية وتجد فيها بعض المنتقدين وان كان بصورة أقل. وفي التلفزيون المرئي افردت مساحات أكبر من ذي قبل لمن لديه مشكله من الشباب أو من العامة لطرح موضوعه على الملاء.
وهذا الحال أيضا حاضر وبقوة على صفحات الانترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي التي وكما قالها لي أحدهم ما وجدت هذه في بلادنا العربية الا للتنفيس والنقد فقط.
لا أقصد القول هنا بأن النقد غير مطلوب أو أن يحارب المنتقدون، كلا ولكن ما عنيته أن شخصا واحدا ينتقد يؤثر على سائر المجتمع فيبدأ الصغير والكبير الرجل والمرأة في البيت والمدرسة والعمل والمقهى والشارع في الانتقاد حتى تصير هذه السمة تميز هذا المجتمع عن غيره من المجتمعات التي تركز على الجوانب الايجابية والتفاؤلية في حياة الفرد منا مع وضع كل شىء في محله النقد وقت النقد وبمقدار معتدل وهو ما أشار اليه جلالة السلطان في آخر خطاباته بأن "حرية التعبير لاتعني بحال من الأحوال قيام أي طرف باحتكار الرأي ومصادرة حرية الآخرين في التعبير عن أرائهم".
هنا يأتي دور المجتمع وأطيافه ومؤسساته المختلفة ووسائل الاعلام التقليدية والحديثة مجتمعة بأن يخصص للنقد وقت وللتفاؤل وقت آخر حتى لا يطغى كل على الآخر.
تعليقات