التخطي إلى المحتوى الرئيسي

استراتيجية اعلامية




التعديلات الاخيرة التي شملت تعديل بعض أحكام النظام الاساسي للدولة وتعديل قانوني مجلسي الدولة والشورى وغيرها من القوانين والتشريعات، شملت أيضا الاعلام وكان نصيبه منها وافرا. فابتداء بتعيين رئيس للهيئة العامة للاذاعة والتلفزيون بمرتبة وزير وتعيين نائب له، وانتهاء بتعيين وكيل لوزارة الاعلام، كل هذه التعديلات والتغيرات بدأت في تشكيل المشهد الاعلامي هنا في السلطنة.


اليوم، بدأت منظومة العمل الاعلامي العماني تتضح بعض الشىء فبإنشاء الهيئة العامة للاذاعة والتلفزيون والابقاء على وزارة الاعلام كما هي – رغم أن التكهنات كانت تشير الى تقليص حجمها أو اندماجها أو أنها قد تكون في كيان آخر كهيئة أو مجلس أعلى للاعلام- يصبح هذا المشهد الاعلامي كما قلنا واضحا بعض الشىء من أن دور الوزارة سيبقى دورا اشرافيا بحتا على كل وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية سواء أكانت حكومية أو شبه حكومية أو خاصة وسيتم معاملتها على قدم المساواة بدون أن يكون هنالك تمايز في المعاملة بين وسيلة واخرى.


أعتقد بأنه آن الاوان اليوم بأن تصاغ استراتيجية اعلامية للسلطنة تعنى بتحديد القواعد والاسس العامة لتنظيم عمل وسائل الاعلام في السلطنة وتعتمد هذه الاستراتيجية في مضمونها على عدة أسس منها الاسس التشريعية والتنظيمية المتعلقة بتنظيم مزاولة النشاط الاعلامي للمؤسسات والعاملين في تلكم المؤسسات، اضافة الى الاسس الاجتماعية التي يجب أن تراعي الثقافة العمانية المحلية والعادات والتقاليد وعلاقة تلك الوسائل بالجمهور والطريقة الصحيحة التي يجب أن تبنى عليها هذه العلاقة، وهنالك أيضا الاسس الفكرية والثقافية التي تعنى بزيادة الوعي الثقافي لدى أفراد المجتمع وتنمية وتطوير هذا الوعي بما يخدم مصلحة المجتمع والدولة، وغيرها من الابعاد التي قد لا يتسع المجال في هذا المقال لذكرها.


ايا ما كان من أمر هذه الاستراتيجية فانها - وان رأت النور ونتمنى أنشاء الله أن تراه قريبا- فهي لا بد وأن تركز ليس فقط على جوانب الاسس التشريعية والاجتماعية والرقابية بل يجب أن يقوم محتواها على عناصر مثل قوانين تضمن الحرية للصحفي والمتلقي في التعبير عن رأيه بما لا يخرج عن اطار الحرية المسؤولة التي قد يسائل عنها صاحبها والوسيلة التي كتب أو عبر من خلالها، اضافة الى ضمان اصدار قوانين تنظم العمل الصحفي في مؤسسات الدولة المختلفة حتى وان كانت عبارة عن دوائر الاعلام في مؤسسات الدولة الخدمية.

كثير من الناس يسألونني، ماذا تبقى من وزارة الاعلام بعد أن انفصلت عنها الاذاعة والتلفزيون وانتقل معظم الموظفين الى الهيئة؟ فأحاول بما أوتيت من معرفة بسيطة بأمور الاعلام بأن أجيب بأن ما تبقى أكثر مما ذهب. فدور وزارة الاعلام اليوم قد يكون أكبر مما كان عليه فهي اليوم المظلة التي تظلل وسائل الاعلام المختلفة وتشرف عليها وتوجهها وتعمل على ترسيخ وتفعيل استراتيجية اعلامية عمانية في الداخل وايضا تعمل على نقل صورة حقيقية جميلة عن السلطنة في الخارج لان تمثيل السلطنة خارجها يبقى من المهمات الاساسية لوزارة الاعلام.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها ...

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج...

الأشجار تموت واقفة

تروي لنا الحكايات انه في جزر سليمان الواقعة في جنوب المحيط الهادي أنهم اذا أرادوا اقتطاع شجرة فان القبيلة تجتمع من حولها وتاخذ في لعنها وبعد ايام تموت الشجرة. هكذا وردت هذه العبارة على لسان الممثل الهندي عامر خان في فيلمه " الطفل المميز" أو بالهندية ان أصبت نطقه فهو " تاري زامن بار" Taare Zamen Par . ويتحدث الفيلم عن طفل صغير لديه صعوبات في التعلم ولا يستطيع تمييز الحروف من بعضها وليست لديه المقدرة على الفهم كباقي زملائه وأقرانه مما جلب عليه سوء معاملة من والده أولا ومن معلميه ثانيا، غير أن مدرسا للفنون كان قد اصيب بمثل هذا المرض من قبل شخص حالة هذا الطفل وبدأ في علاجه واقناع الجميع بأنه طفل مبدع مبتكر لا سيما في الرسم. حالة هذا الطفل وغيره من الاطفال تشخص اليوم على أنها نوع من مرض التوحد وتتمثل أعراضها في الانعزالية وعدم التواصل مع الاخرين واضطرابات في النوم والاكل والشرب وغيرها من الاعراض، وقد يصاب المرء بالعجب عندما يقرأ بأن عددا من المخترعين والمفكرين والادباء والفنانين التشكيلييين العالميين كانوا مصابين بهذا المرض من أمثال موتسارت وبيتهوفن ومايكل أنغل...