كل الحقائق العلمية والبراهين تشير إلى أن الإنسان إذا وصل إلى مرحلة معينة من العمر يبدأ في فهم ما يفيده وما يضره، ويبدأ أيضا في إدراك المخاطر المحدقة به حتى قبل حدوثها. ويتطور هذا العقل كلما كبر الإنسان في السن وازدادت تجربته في الحياة وازداد تحصيله العلمي، ويمكن أن يطلق على الإنسان المتعلم " إنسان واعي"
الا أنه من غير المنصف إطلاق مسمى الوعي على الإنسان المتعلم الحاصل على الشهادات العلمية فقط، بل إن الإنسان الواعي هو الإنسان المدرك لعواقب الأمور ومخاطرها ويزن كل أموره بميزان العقل والحكمة لان عقل الإنسان عبارة عن تراكمات تكتسب يوما بعد يوم.
ما نراه كل يوم من تصرفات من أناس يعدهم المجتمع من المتعلمين الحاصلين على أرفع الدرجات العلمية وأرفع الوظائف والرتب العملية لا توحي بان الإنسان المتعلم أصبح مدركا لمعنى المسؤولية ومتحملا لها ولم يصل بعد إلى مرحلة الوعي التي ربما وصلها قبله إنسان مثله لم يصل إلى مرحلته في المستوى العلمي والوظيفي.
ما دعاني إلى الذهاب إلى هذا الاستنتاج بعض المواقف الصادرة عن بعض الناس عندما يجلس وراء مقود سيارته حيث يطلق لها العنان لتسابق من هم بجانبه وليقنع عقله ونفسه بأنه هو من يستطيع فعل ذلك ولا يستطيع غيره من الناس بسبب امتلاكه ميزات خاصة تجعله مميزا عن باقي المحيطين حوله اللذين يفتقدون أبسط أنواع المتعة لا سيما متعة قيادة سيارة.
عصر يوم من الأيام وقفت مذهولا من شخصين أعرفهما جيدا وهما من فئة الشباب المتعلم اللذين وفرت لهم فرص التعليم، هما يمتلكان نفس مواصفات السيارة فقررا الدخول في سباق للتحدي من سيكون الرابح ومن ستكون سيارته أسرع من الأخرى.
وعند انتهاء السباق الذي كاد أن يتطور إلى حادث يودي بأحدهما وقفت ناصحا ومعاتبا لهما على استهتارهما ولا مبالاتهما، فما كان منهما إلا أن استمعا إلى كلماتي الأولي بحكم المعرفة بيننا ووقفا يستمعان إلى المحاضرة التي ألقيتها عليهما بمخاطر السرعة وضرورة المحافظة على النفس.
قد ألوم هذا الشاب وغيره من المتعلمين على استهتاره بكلام النصح، وقد ألوم من جانب آخر حملات التوعية في عدم مقدرتها على إيصال رسالتها لشريحة هؤلا الشباب.
التوعية المرورية بحوادث السير والحملات التي تقوم بها شرطة عمان السلطانية وغيرها من الجهات الأخرى لم تستطع الوصول بعد إلى الجهة المستهدفة، حيث أن الوسيلة المستخدمة في إيصال الرسالة ضاعت بين الرسمية والشعبية وضاع بينهما الكثير من الأرواح والأنفس.
هنالك الكثير من الندوات والمحاضرات التوعوية في كافة أرجاء السلطنة تسرد وبشكل تفصيلي أسباب حوادث المرور وارتفاع أرقامها يوما بعد يوم، ولكن يبقى رواد هذه الندوات والمحاضرات هم من المدعوين الرسميين ومن تعنيه هذه الرسالة غائب عنها، ربما لأنها لا تناسب سنه أو مستواه العلمي أو تفكيره أو حتى ما يقال فيها، فتذهب كل تلك الجهود أدراج الرياح.
ما نحن بحاجة إليه لإيقاف هذا النزيف هو إعادة توجيه الرسائل وإيجاد القنوات المناسبة التي توصل الرسالة بفاعلية أكبر ولشريحة أعرض ولنبدأ معا من المتسبب الرئيس في هذه الحوادث لنبدأ التوعية من شوارع الموت.
أخيرا، هنالك حقيقة يفهمها كل البشر بأنه لا يوجد في الحياة ما هو أغلى من النفس، ومن الغباء أن يزهق الإنسان روحه بسبب عدم وعيه وإدراكه لهذه الحقيقة، ولو قدر لهذا الإنسان الذي أزهق روحه بيده العودة إلى الحياة مرة أخرى لاتهم نفسه بالغباء والتقصير وأن السبب الذي أفقده روحه كان من الممكن تجاوزه والنجاة بنفسه من الهلاك.
تعليقات