لا تزال ذاكرتي تحتفظ بالقليل من ذكريات رمضان التي عايشتها في قريتي الصغيرة، كان اعلان دخول الشهر باستطلاع رؤية الهلال بالعين المجردة والجميع يتسابق على ذلك الصغير قبل الكبير منهم من يتسلق أعلى قمة في القرية ومنهم من يبدأ من بعد صلاة الظهر في تحري الهلال وكأنه يخالف المثل القائل " تشوف النجوم في عز الظهر" ومن المواقف الطريفة التي أتذكرها ان رجلا كبيرا في السن كان يقول لنا بانه يستطيع رؤية الهلال قبلنا جميعا فطريقته التي يتبعها تمكنه من مشاهدة الهلال قبل الزوال بأن يحضر اناء يملؤه ماء فيظهر الهلال في انعكاس الماء، وطبعا لم تكن هذه الطريقة هي التي نصوم عليها بل كانت الرؤية المجردة هي الفيصل، لذا كان كثير من مناطق عمان لا تصوم في نفس اليوم بل يختلف صيام منطقة عن أخرى وقرية عن أخرى كل له دلالته واستدلاله عملا بالحديث الشريف " صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته".
هذا عن إعلان دخول شهر الصيام أما في أيامه حيث لم نكن نمتلك وسائل اتصال ولا تلفزيونات ولا اذاعات تصل الينا في قريتنا فكنا نحن الصغار الغير صائمين
نتجمع قبل اذان المغرب عند المسجد الجامع استعدادا لسماع مؤذن المسجد وهو يرفع صوته بالتكبير ايذانا ببدء الافطار، كانت رؤية مؤذن المسجد وهو يعتلي الربوة العالية خارج المسجد مؤشرا لنا بالانطلاق واطلاق أرجلنا للريح في طريق أوبتنا إلى البيت لاخبار الصائمين هناك بان اذان المغرب قد رفع، وكنا في كل مرة نصل فيها إلى البيت لاهثين ومتعطشين للماء أكثر من الصائمين أنفسهم نجد أن الجميع قد أفطر لاننا تأخرنا.
كنا نجد في نقل خبر الاذان إلى الاهل متعة كبيرة لا تضاهيها متعة فعندما تكون السابق في نقل خبرـ وان كان متأخرا ـ فانك تشعر بانك قد حققت السبق في ذلك وانك أول من يسمع صوت المؤذن ولا يسمعه أهلك في البيت.
من الذكريات الرمضانية التي لا زالت تختزن بذاكرتي مشهد مرافقتي لابي عقب صلاة العصر إلى " تحت الغافة " حيث تتجمع السيارات القادمة إلى قريتنا وهل تحمل صخورا من الثلج فمن أراد أن يشرب ذلك اليوم ماء باردا على الفطور فعليه بشراء صخرة صغيرة يضعها في اناء أو ترمس صغير نحملها إلى البيت وكنا نحن الصغار الغير صائمين نتلذذ أولا بمص الثلج المتساقط من تكسيره ونحمل أجزاء أخرى منه في جيوبنا أملا منا بان تحفظها كما تحفظ السيارة الكبيرة صخور الثلج.
قليلة هي الذكريات المختزنة ولكن على قلتها فهي كفيلة لرسم البسمة على الشفاه، عندما نتذكر تلك الايام ونراها بمنظور اليوم الذي عطلت فيه التقنيات الحديثة أي جهد يبذله المرء لتحري الشهر أو لابلاغ الصائم بالافطار ويزيد من ذلك التسابق المحموم في كل شىء لاستغلال أيام هذا الشهر لتحقيق مكاسب مادية عوضا عن تحقيق مكاسب روحانية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعليقات