عرضت نفسي لجرعات من القراءة عن الذات وفهم النفس البشرية والعلاقة بين الروح والجسد، قرأت في الكثير من الثقافات والفلسفات الغربية والهندية والفارسية والتركية والعربية لمعرفة ماهية الإنسان والحكمة من خلقه، وعلاقته بخالقه وعلاقة الخالق به، وإلحاده وإيمانه، وتعصبه وتشدده، وعشقه ومقته، ومتى يصل الإنسان إلى المرحلة التي يجاهر فيها بكفره بالخالق.
مما وقعت يدي عليه من قراءات كان عن الفكر الصوفي والتصوف في كل الملل والنحل فقرأت بعضا من كتابات الحلاج وابن عربي وأبو حامد الغزالي وقواعد العشق عند جلال الدين الرومي وبعض كتابات العمانيين عن التصوف (كانوا يطلقون عليه السلوك بدلا من التصوف) من أمثال الشيخ ناصر بن جاعد بن خميس الخروصي في كتابه نظم السلوك إلى حضرات ملك الملوك وهو شرح لتائيتي ابن الفارض وأشعار الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي التي حملت مسحا من السلوك أو التصوف مثل سموط الثناء وعلى باب الكريم وغيرها من الأشعار والقصائد التي حملت حبا وعشقا وهياما في الذات الإلهية.
غير أن أكثر ما ترك في ذاتي أثرا كبيرا عن الحب الإلهي هي رواية « قواعد العشق الأربعون، رواية عن جلال الدين الرومي» للروائية التركية إليف شافاق التي سردت فيه بأسلوب شائق وبديع العلاقة التي جمعت بين العابد والناسك والمعلم جلال الدين الرومي والدرويش المتجول في بقاع الدنيا شمس التبريزي لتخلف لنا هذه العلاقة أربعين قاعدة من قواعد العشق الإلهي كتبها الرومي بإيعاز من شمس التبريزي، خاطبت ذات الإنسان وروحه وعقله وقلبه ودعته إلى التأمل والتفكر في الله وخلقه وتقبل الآخر ونبذ العنف والدعوة إلى العيش بسلام وأمان مع ما خلق الله من مخلوقات وكائنات، كتبها الرومي بعد مقتل التبريزي على يد بعض الناقمين عليه وعلى سلوكه ومن الطريقة التي يخاطب بها أهل زمانه الذين اتهموه بالجنون والزندقة والضلال والكفر بالله.
«الكفر الحلو» رواية داخل رواية تنقنا فيها إليف شافاق الى مقاربة بين عصر الرومي وشمس التبريزي في القرن الثالث عشر الميلادي إلى العصر الحديث من خلال إيلا روبنشتاين الساكنة في ولاية بوسطن الأمريكية التي تصلها مخطوطة رواية « الكفر الحلو» لقراءتها قبل نشرها من كاتبها عزيز المتحول من ملحد يساري إلى مسلم متصوف يسكن في امستردام، وتقودهما هذه العلاقة إلى حب بين إيلا المتزوجة وعزيز الذي ينتظر وفاته لإصابته بمرض خبيث.
ربما اختارت إليف شافاق «الكفر الحلو» عنوانا لروايتها داخل الرواية الأصلية لتنقل لنا فكرة فلسفية من أننا كبشر بحاجة إلى بعض الكفر الحلو الذي يحررنا من قيم وعادات ومعتقدات وتقاليد ومن الكثير بعض الإيمان والسلوك الذي فرض علينا وحبسنا في بوتقته، نحن كبشر بحاجة إلى هذا الكفر (الذي لا يعني هنا بتعبيره الكفر بالدين) والانتقال إلى دين وأفق ومجال جديد غير الذي عرفناه وعشناه.
انقسمت الصوفية إلى ملل ونحل وتشعبت وتشظت إلى الكثير من الطرائق وصار لها الكثير من الاتباع والمريدين وكان لها الكثير من الغلاة والمتطرفين الذين نهجوا مناهج أخرجتها عن طريقها الصحيح جعل البعض من غلاة المذاهب الإسلامية إلى تصنيفها بأنها ملة خارجة ومارقة عن الدين وجواز البراءة ممن اتبع هذه الطريقة لأن طرائقها لا تقود إلا إلى الكفر الصريح بالواحد الأحد موجد البشر من العدم.
سأستشهد هنا ببعض من قواعد العشق التي خطها الرومي بإملاء من أستاذه شمس التبريزي.
القاعدة الأولى: إن الطريقة التي نرى بها الله ما هي إلا انعكاس للطريقة التي نرى فيها أنفسنا فإذا لم يكن الله يجلب إلى عقولنا سوى الخوف والملامة، فهذا يعني أن قدراً كبيراً من الخوف والملامة يتدفق من نفوسنا. أما إذا رأينا الله مفعماً بالمحبة والرحمة، فإننا نكون كذلك».
القاعدة الحادية والعشرون: «لو أراد الله أن نكون متشابهين لخلقنا متشابهين، لذلك فإن عدم احترام الاختلافات وفرض أفكارك على الآخرين يعنى عدم احترام النظام المقدس الذي أرساه الله».
القاعدة السابعة والثلاثون: «إن الله ميقاتي دقيق إنه دقيق إلى حد أن ترتيبه وتنظيمه يجعلان كل شىء على وجه الأرض يتم في حينه، لا قبل دقيقة ولا بعد دقيقة. والساعة تمشي بدقة شديدة بالنسبة للجميع بلا استثناء، فلكل شخص وقت للحب ووقت للموت».
القاعدة الأربعون: «لا قيمة للحياة من دون عشق. لا تسأل نفسك ما نوع العشق الذي تريده، روحي أم مادي، إلهي أم دنيوي، غربي أم شرقي..فالانقسامات لا تؤدي إلا إلى مزيد من الانقسامات. ليس للعشق تسميات ولا علامات ولا تعاريف. إنه كما هو، نقي وبسيط».
http://2015.omandaily.om/?p=266383
http://2015.omandaily.om/?p=266383
تعليقات