التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بين إسلامي وإسلام أبي

لا فرق بين إسلامي وإسلام أبي فكلانا مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول، ونحن متفقان أيضا على أركان الاسلام الخمسة وأركان الايمان ونؤدي الصلوات في أوقاتها في جماعة وندفع الزكوات والصدقات ونصوم رمضان ونحج الى بيت الله الحرام ونقرأ ذات الكتاب ونؤدي الكثير من الطاعات والاعمال التي تقربنا الى الله زلفى
الاختلاف بين إسلامي وإسلام أبي يبرز في ما يعتقده ويمارسه كلا منا في حياته اليومية، فلم يكن يعنى أبي التدخل فيما يعتقده جاره ويؤمن به من دين أو ملة ونحلة، ولم يكن أبي مهتما بكيفية صلاة جاره والطريقة التي يؤدي بها فروضه اليومية لايمانه بأن هذه العلاقة هي علاقة خاصة بين الانسان وربه، ولم يكن اسلامه يبيح له تكفير الاخر لمجرد الاختلاف معه في بعض الفروع وحتى في الاصول وبالطبع لم يكن اسلامه ليبيح له باسم الدين أن ينحر أو يقتل أو يسلب بريئا لمجرد أنه لا يستطيع التعايش معه لانه يرى أن اختلافا وخلافا كبيرا سوف ينشأ بين الاثنين إن هما عاشا بسلام مع بعضهما البعض.
إسلامي أنا اليوم يسمح لي أن أختلف حتى مع أخي وأن أحاربه واحاكمه وافرض عليه جزية وحتى أن أقتله ان وصل الامر الى اختلاف لا تلاق معه، وكل ما أقوم به من ممارسات ضد أخي هي مشروعة ومحللة في إسلامي بنص الحديث وسنة الرسول. فإن أردت أن أقتله فإن أحاديث السيرة النبوية الواردة في كتب الحديث وكتب التراث تبيح لي قتل المخالف لي في التفكير والعقيدة، وإن أردت حرقه وكيه فكذلك هي نفس الكتب والمراجع تبيح لي أن أحرق من اختلف معي حيا وعلى مشهد من العالم أجمع، وأن أردت أن أجلده أو على الطرف الآخر أن أصفح وأعفو عنه فهي ذات الكتب وذات التراث ما يبيح لي ويمنحني حق العفو والمغفرة وحق استخدام الغلظة والشدة مع من يخالفني.
إسلام أبي لم يكن لينبش ويحفر في مذاهب خلق الله ويصنفها ويبوبها بحسب قربها أو بعدها من مذهبه وعقيدته، ولم يكن ليشغل باله أو لعينيه كثيرا إن كان من يصلي بجانبه هو من نفس مذهبه أم يختلف عنه، رافعا يده أو ضامها، مطلقا سبابته أم خافضها، يجهر بقول آمين أو يسر بها أو لا يؤمن بها في الصلاة، لم يكن أبي يعرف ما معنى التشيع أو التحزب أو التمذهب، كل ما كان يعرفه هو أن من يأتي للصلاة في المسجد فهو مسلم أيا كانت شريعته وعقيدته ومذهبه وملته.
إسلامي أنا اليوم يحفر في أصول خلق الله ومذاهبهم ومللهم ونحلهم وفرقهم وطوائفهم ويختار منها ما وافق هواه ويترك ما خالفه، اسلامي أنا اليوم انقسم الى بضع وسبعون شعبة كلها هالكة في النار الا أنا الوحيد الذي سيدخل جنات عدن مع النبيين والصديقين فأنا وما أعتقده من مذهب هو الناج وغيري الهالك. 
إسلام أبي كان إسلام سلام يدعو الى صلة الجار والاحسان الى الفقير والمحتاج وعدم قطع القربى وزيارتهم والتعامل برفق مع الانسان والحيوان والنبات وكل ما خلق الله على هذه الارض، والصفح عن الزلات والخطايا وعدم الحكم على الناس بسوء الظن والتبين والتبصر قبل الفعل، أما إسلامي أنا اليوم فهو استسلام للآخر وقطع الصلة مع القربى والجيران والتعامل بغلظة وشدة وقسوة مع كل ما خلق الله من انسان وحيوان  ونبات حتى الجماد ذاته لم يسلم من غلظة وقسوة نابعة من اسلامي الذي لم يعد يمت لي بصلة سوى أنني مسلم بالاسم لكن فعلي لا يدل الا على قلب قاس متحجر لا يعرف من معان الاسلام وقيمها الا القليل جدا.
هل فهمتم الان الفرق بين إسلامي وإسلام أبي الذي ننعته بأنه إسلام جهل وعدم معرفة بأصول الدين وأسسه ومبادئه، فخير لي أن أعيش كما عاش أبي في جهله بكثير من أمور الدين على أن أعيش أنا اليوم بعلم يبيح لي أن اختلف وأحارب وأبيد خلق الله إن هم خالفوني في الدين.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها ...

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج...

الأشجار تموت واقفة

تروي لنا الحكايات انه في جزر سليمان الواقعة في جنوب المحيط الهادي أنهم اذا أرادوا اقتطاع شجرة فان القبيلة تجتمع من حولها وتاخذ في لعنها وبعد ايام تموت الشجرة. هكذا وردت هذه العبارة على لسان الممثل الهندي عامر خان في فيلمه " الطفل المميز" أو بالهندية ان أصبت نطقه فهو " تاري زامن بار" Taare Zamen Par . ويتحدث الفيلم عن طفل صغير لديه صعوبات في التعلم ولا يستطيع تمييز الحروف من بعضها وليست لديه المقدرة على الفهم كباقي زملائه وأقرانه مما جلب عليه سوء معاملة من والده أولا ومن معلميه ثانيا، غير أن مدرسا للفنون كان قد اصيب بمثل هذا المرض من قبل شخص حالة هذا الطفل وبدأ في علاجه واقناع الجميع بأنه طفل مبدع مبتكر لا سيما في الرسم. حالة هذا الطفل وغيره من الاطفال تشخص اليوم على أنها نوع من مرض التوحد وتتمثل أعراضها في الانعزالية وعدم التواصل مع الاخرين واضطرابات في النوم والاكل والشرب وغيرها من الاعراض، وقد يصاب المرء بالعجب عندما يقرأ بأن عددا من المخترعين والمفكرين والادباء والفنانين التشكيلييين العالميين كانوا مصابين بهذا المرض من أمثال موتسارت وبيتهوفن ومايكل أنغل...