قد يكون هذا العنوان صادما وناسفا لجهود الحكومة التي تقوم بها لإحلال العامل والموظف العماني محل العامل الوافد في كافة القطاعات لا سيما القطاعين الحكومي والقطاع الخاص، ولكن عندما نقرأ وندقق في لغة الأرقام ونشاهد ونسمع من أرض الواقع نجد أن منهاج وخطط التعمين ما هي إلا وهم في كثير من الأحيان.لنقرأ بعضا من الأرقام.. عدد السكان في السلطنة وصل إلى الرقم أربعة ملايين ومائة وتسعة وثلاثين ألف نسمة، نسبة العمانيين منهم تبلغ مليونين وثلاثمائة وتسعة عشر، في حين أن الوافدين يصل عددهم إلى مليون وثمانمائة وعشرين وافدا ويمثلون ( الوافدين) ما نسبته أربعة وأربعين في المائة من عدد السكان، وعددهم في القطاع الخاص وصل إلى مليون وخمسمائة ألف عامل وافد.
رقم آخر نشره المركز الوطني للإحصاء عن «العاملين في سلطنة عمان» أشار إلى أن هناك عاملا عمانيا واحد فقط يعمل في القطاع الخاص من بين عشرة عمال وافدين يعملون في ذات القطاع أي أن النسبة هي واحد من عشرة فقط، ومعدل النمو السنوي للأيدي العاملة الوافدة في القطاع الخاص خلال الأربع سنوات الماضية بلغ سبعة في المائة في حين أن نسبة نمو الأيدي العاملة الوطنية في ذات القطاع وذات الأعوام هي فقط ثلاثة ونصف في المائة أي بنسبة أقل من النصف.
رقم آخر سألت عنه خبيرا في مجال القوى العاملة بعدما لفت نظري أن كثيرا من الاتفاقيات السياحية والاستثمارية والاقتصادية التي توقعها الحكومة مع بعض المستثمرين تذيل إعلاميا بعبارة « وسيوفر المشروع أكثر من …. ألف فرصة عمل للشباب العماني وسيسهم في إيجاد فرص عمل لأبناء المنطقة»، سؤالي كان هل يتم الوفاء بهذه الاتفاقيات ومتابعتها والتأكد من تطبيق ما تم الاتفاق عليه بين الطرفين؟ أم أن ما كتب به من مداد قد جف بعد قيام المشروع وتشغيله وإن ما تم الاتفاق عليه هو لتسهيل وتسريع الانتفاع بالتسهيلات التي توفرها الدولة إن تم ذكر توظيف الأيدي العاملة الوطنية وساهم ذلك المشروع في توطين بعض المهن.
أجاب ذلك الخبير العارف ببواطن الامور أن أرقام التعمين في مشروعات القطاع السياحي وصل إلى نسبة التسعة وثلاثين في المائة من أصل خمسة وتسعين في المائة هي النسبة المؤمل الوصول إليها من هذا القطاع ، وإن عدد العمانيين المشتغلين في القطاع السياحي من فئة فنادق الخمسة نجوم هي ألفان وواحد وعشرون عمانيا مقارنة بأربعة آلاف وتسعمائة وستون وافدا أي هي نسبة اقل من نصف ما كانت تطمح إليه الحكومة من تعمين في تلك الوظائف عند توقيعها لاتفاقيات إقامة تلك المشروعات العملاقة.
رقم آخر يقربنا من فهم الواقع الذي نعيشه ويشخص تدني نسبة الوجود العماني في سوق العمل الخاص وارتفاعها مع العامل الوافد، وتفضيل العماني العمل في الحكومة بدلا من الخاص، هي إحصائية نشرها نفس المركز عن استطلاع حول « توجهات الشباب العماني حول العمل» أشارت إلى أن الغالبية العظمى من الشباب يفضلون العمل بالقطاع الحكومي بدلا عن الخاص حتى وإن كان براتب ومميزات أقل، معللين ذلك بأن هذا القطاع يوفر كثيرا من الاستقرار الوظيفي وفرص متساوية للترقي ونظام جيد للتقاعد المبكر وغيرها من الميزات التي لا تتوافر في القطاع الخاص كطبيعة العمل وفرص الترقي ومعاملة رب العمل والحوافز المالية.
كفة اليوم باتت تميل إلى تفضيل العمل في القطاع الحكومي بدلا مما كانت عليه سابقا من ترجيح لكفة القطاع الخاص وذلك نتيجة لعوامل كثيرة تسببت في تآكل وضمور في نسبة التعمين في القطاع الخاص، ربما ترجع أسبابها إلى سياسات حكومية خاطئة وبعض من أسبابها إلى ثقافة العمل عند المواطن ذاته التي هي بحاجة إلى إعادة توجيه إلى مسارها الطبيعي والصحيح، وقد تكون بارقة الأمل في إعادة هذه البوصلة تأتي من تشجيع ودعم لإقامة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والزج بها إلى سوق العمل حتى وإن تطلب ذلك الكثير من التضحيات.
تعليقات