التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تداخل السلطات


          في الدولة الحديثة تقسم السلطات إلى ثلاث وهي السلطة التشريعية وهي التي تتبنى سن القوانين والتشريعات ويمثلها المجالس النيابية والتشريعية والبرلمانية، أما السلطة الثانية فهي السلطة التنفيذية وهي المسؤولة عن تنفيذ السياسات والتشريعات التي تسنها وتوافق عليها السلطة التشريعية ويمثل هذه السلطة الحكومة ومجلس الوزراء، أما السلطة  الثالثة والاخيرة فهي السلطة القضائية التي هي سلطة الفصل في النزاعات والخصومات وهي المسؤولة عن المحاكم وتطبيق القضاء في الدولة.
بتطبيق هذه السلطات الثلاث على بلادنا نجدها كلها حاضرة، فلدينا سلطة تشريعية وتنفيذية وقضائية، ويمكن القول ولله الحمد بأننا في طريقنا إلى استكمال منظومة بناء الدولة العصرية الحديثة التي تتعاون فيها السلطات الثلاث لتحقيق المصلحة العليا للوطن.
غير أن ما أثير مؤخرا من جدل حول قرار السلطة التنفيذية بتحديد بعض السلع لمراقبة اسعارها من الزيادة واغفال الاخرى بدون الرجوع إلى السلطة التشريعية لاقرارها، واستدراك الاخيرة ورفضها للقرار ومطالبته ـ في بيان رفع إلى المقام السامي ـ السلطة التنفيذية بالعدول عن قرارها وتأجيله لحين يتم اتخاذ بعض الاجراءات، يشير إلى أننا لم نعي بعد دور كل سلطة على حدة والمهام الموكولة لكل سلطة والحدود التي يمكن لكل سلطة ممارستها دون أن تتضارب أو تتعارض مع باقي السلطات.
السلطة التنفيذية لا تزال تعتبر نفسها بأنها هي من له الحق في التشريع وسن القوانين وأن قراراتها وتشريعاتها يجب أن تكون سارية وفاعلة على باقي السلطات حتى على سلطة الشعب والمواطن، في حين إن السلطة التشريعية التي يفترض بها أنها تأتي في المرتبة الأولى في سلم السلطات لم تستطع حتى الان من القيام بدورها المناط بها من سن التشريعات ومناقشة القوانين وإصدارها وإن قامت بذلك فإن الامور تأخذ وقتا أطول لإقرارها.
هذه الواقعة – وأقصد بها قرار مراقبة بعض السلع – اثبت أن الحكومة وأعنى بها هنا السلطة التنفيذية بحاجة إلى من يراقبها ويشرف عليها وأن لا تترك قراراتها وتشريعاتها نافذة كأمر مسلم به لا يخضع لجدال أو نقاش. وهنا يثار التساؤل التالي من يراقب أداء الحكومة وقراراتها؟.
في مقال لي منشور قبل عامين عنونته " من يراقب الحكومة" تطرقت فيه إلى أن الحكومة ذاتها يجب أن تراقب – إن أردنا لدولة المؤسسات أن تقوم – ومن يقوم برقابة الحكومة هي ليست جهة حكومية مثلها أو تخضع لسلطتها أو لسطانها وإنما من يقوم على ذلك جهات أخرى مثل المجالس التشريعية والقضائية ومؤسسات المجتمع المدني، وأيضا وسائل الاعلام التي أضافها البعض كسلطة رابعة اضافة للسلطات الثلاث لتكمل منظومة مؤسسات وسلطات الدولة الثلاث، فهي يجب أن تتمتع بالصفة الاعتبارية وأن لا يكون للحكومة أية سلطة عليها كي تلعب دورها الصحيح في نقل الصورة الحقيقة عما يجري في المجتمع وتستطيع أن تراقب المجتمع وتراقب الحكومة بكل صدق وشفافية.
إن أردنا لبلادنا أن تكون في مصاف الدول الحديثة المتقدمة التي تحترم القانون وتطبق مبادىء الديمقراطية والعدل والمساواة – كما أراد لها باني نهضتها – فيجب علينا أن نعي ونفهم دور كل فرد منا في المجتمع وأن تعي كل سلطات الدولة واجباتها وحقوقها كي نستطيع أن ننهض ببلادنا قدما.




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها ...

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج...

الأشجار تموت واقفة

تروي لنا الحكايات انه في جزر سليمان الواقعة في جنوب المحيط الهادي أنهم اذا أرادوا اقتطاع شجرة فان القبيلة تجتمع من حولها وتاخذ في لعنها وبعد ايام تموت الشجرة. هكذا وردت هذه العبارة على لسان الممثل الهندي عامر خان في فيلمه " الطفل المميز" أو بالهندية ان أصبت نطقه فهو " تاري زامن بار" Taare Zamen Par . ويتحدث الفيلم عن طفل صغير لديه صعوبات في التعلم ولا يستطيع تمييز الحروف من بعضها وليست لديه المقدرة على الفهم كباقي زملائه وأقرانه مما جلب عليه سوء معاملة من والده أولا ومن معلميه ثانيا، غير أن مدرسا للفنون كان قد اصيب بمثل هذا المرض من قبل شخص حالة هذا الطفل وبدأ في علاجه واقناع الجميع بأنه طفل مبدع مبتكر لا سيما في الرسم. حالة هذا الطفل وغيره من الاطفال تشخص اليوم على أنها نوع من مرض التوحد وتتمثل أعراضها في الانعزالية وعدم التواصل مع الاخرين واضطرابات في النوم والاكل والشرب وغيرها من الاعراض، وقد يصاب المرء بالعجب عندما يقرأ بأن عددا من المخترعين والمفكرين والادباء والفنانين التشكيلييين العالميين كانوا مصابين بهذا المرض من أمثال موتسارت وبيتهوفن ومايكل أنغل...