التخطي إلى المحتوى الرئيسي

في مكتب الوزير


قبل ثلاث سنوات وجه جلالة السلطان وحدات الجهاز الإداري بالدولة بإنشاء دوائر مختصة لخدمات المراجعين تتبع مباشرة للوزير أو رئيس الوحدة تكون مهمتها استلام وتسجيل طلبات المواطنين ومتابعة الإجراءات التنفيذية المتخذة حيالها، بهدف إعطاء دفعة إيجابية لقنوات التواصل بين الجهات الحكومية والمواطنين.
بعد هذه التوجيهات هبت مؤسسات الدولة المختلفة بإنشاء هذه الدائرة وتسابقت في نشر أخبار إنشائها في وسائل الإعلام المختلفة.
بعد هذه الخطوة يفترض أن الهوة بين المواطن والمؤسسات التي تقدم له الخدمة قد ردمت، وأن العلاقة بين الطرفين صارت قائمة على أساس أن رغبات وطلبات هذا المواطن سوف تختصر كل المسافات وتصل سريعا لمن يعنيه الأمر ويتم الاستجابة والتعامل معها بأقصى درجات السرعة.
ولكن، لا يزال كثير من الناس يتذمرون مما يلقونه من تعامل بعض المؤسسات الخدمية معهم، وما زالت رسائلهم وخطاباتهم وشكاويهم وحتى اقتراحاتهم تراوح مكانها. هي كما قال احدهم لا تزال في مكتب الوزير بانتظار أن يصل دورها كي يسدي معاليه توجيهاته الكريمة بكيفية التعامل معها سواء بالرد أو التحويل أو الدراسة أو قد يكون بالتجاهل التام لفحواها ولمن قام بكتابتها.
لا يشمل ما على طاولة الوزير رسائل وشكاوى المواطن فحسب، بل يكاد الأمر أن يصل إلى كل ما يتعلق بشؤون وزارته الصغيرة منها والكبيرة وكأن لا أحد في ذلك الكيان الإداري قادر على اتخاذ القرار والتعامل وابتكار الحلول والتعاطي مع المشكلات إلا معاليه.
كنت دائما أقول لمن يناقشني في هذا الأمر إننا نفتقر إلى التربية الإدارية الصحيحة في كياناتنا الحكومية، فنحن ما زلنا لا نفرق بين مختلف أنواع الوظائف الإدارية منها والفنية واختصاصات كل وظيفة، وما هي واجبات ومسؤوليات وحقوق من ولي إدارة البشر وكيف يمكنه التعامل معهم. ما ورثناه واكتسبتاه من معرفة إدارية هي بالممارسة الشخصية أو بالاقتباس من الآخر في تعامله مع من يديرهم.
اليوم وبعد مرور السنوات الثلاث من إنشاء كيانات خدمات المراجعين في مؤسسات الحكومة، أصبح الكثير من موظفي تلكم الدوائر بلا عمل حقيقي. المواطن غير مقتنع تماما بفكرة التوجه بشكواه وطلبه إلى تلك الدائرة لأنها كما يقول إن لا حيلة لها ولا قوة وأن الذهاب إليها يزيد الأمر تعقيدا أكثر مما هو معقد أصلا ويطيل فترة بقاء ورقته لأيام أخرى، وزملاء هذه الدائرة في داخل المؤسسة باتوا لا يعيرون كثيرا مما يحال إليهم أو يأتيهم من خطابات هم يعتقدون بأنها تنتقد ما يقومون به من عمل أو أنها تطالبهم بمزيد من العمل والمتابعة.
ليس الخطأ في إنشاء هذه الدوائر فمهامها محددة ومعرّفة، ولكن الخطأ يكمن في أن كل الصلاحيات قد اختصرت في فرد واحد أو فردين في كل المؤسسة فكل ما يرد إليها يصب أولاً في مكتب الوزير.

http://main.omandaily.om/?p=93040

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها ...

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج...

الأشجار تموت واقفة

تروي لنا الحكايات انه في جزر سليمان الواقعة في جنوب المحيط الهادي أنهم اذا أرادوا اقتطاع شجرة فان القبيلة تجتمع من حولها وتاخذ في لعنها وبعد ايام تموت الشجرة. هكذا وردت هذه العبارة على لسان الممثل الهندي عامر خان في فيلمه " الطفل المميز" أو بالهندية ان أصبت نطقه فهو " تاري زامن بار" Taare Zamen Par . ويتحدث الفيلم عن طفل صغير لديه صعوبات في التعلم ولا يستطيع تمييز الحروف من بعضها وليست لديه المقدرة على الفهم كباقي زملائه وأقرانه مما جلب عليه سوء معاملة من والده أولا ومن معلميه ثانيا، غير أن مدرسا للفنون كان قد اصيب بمثل هذا المرض من قبل شخص حالة هذا الطفل وبدأ في علاجه واقناع الجميع بأنه طفل مبدع مبتكر لا سيما في الرسم. حالة هذا الطفل وغيره من الاطفال تشخص اليوم على أنها نوع من مرض التوحد وتتمثل أعراضها في الانعزالية وعدم التواصل مع الاخرين واضطرابات في النوم والاكل والشرب وغيرها من الاعراض، وقد يصاب المرء بالعجب عندما يقرأ بأن عددا من المخترعين والمفكرين والادباء والفنانين التشكيلييين العالميين كانوا مصابين بهذا المرض من أمثال موتسارت وبيتهوفن ومايكل أنغل...