في جهازنا الحكومي أهل الوزارات يحسدون أهل الهيئات على ما من به الله عليهم من مكارم وهبات ومنح تميزهم عنهم في كثير من الأمور لعل أولها وأفضلها وأجملها هي ميزة الرواتب التي يتقاضاها موظفو تلك الهيئات مقارنة بنظرائهم من موظفي الوزارات. بل ويتمنون ويدعون الله أن يستجيب لدعائهم في يوم ما وتتحول وزارتهم بقدرة قادر الى هيئة عامة كانت أم خاصة فالأمر سيان بالنسبة لهم.
الأمر هنا يتعدى الحسد المعروف فهذا أمر مفروغ منه ليتجاوزه إلى بعض النظرات الجارحة التي ينظر بها أهل الهيئات إلى أهل الوزارات، فنظرة موظف الهيئة إلى أخيه موظف الوزارة إن اجتمعا في محفل أو مكان أو عمل ما فهي تدل على أنه أفضل منه حالا وأعز منصبا فهو لا يخضع مثله لقانون الخدمة الذي يساويه بغيره من مئات الآلاف التي تخدم في قطاعات الوزارات الخدمية.
بدأنا مؤخرا في تكثير عدد الهيئات العامة والخاصة وما شاكلها من مؤسسات وشركات ومجالس عليا وغيرها من المسميات التي بات الهدف الرئيسي والحقيقي منها هو البعد عن قانون الخدمة المدنية الذي بات في نظر الكثير من الموظفين والمسؤولين يمثل عائقا في تقدم أية جهة حكومية ويكبح جماح منح المسؤول الأعلى لتلك الهيئة أو المؤسسة سلطات أعلى من سلطات نظيره الخاضع لقانون الخدمة، ويحرم الموظف من الكثير من الامتيازات التي يمكن أن يحصل عليها في ظل الهيئة إن استرضى مسؤوله ورضي عنه.
بحسبة بسيطة لعدد الهيئات فقط ولا يدخل ضمن ذلك الشركات الحكومية ولا المجالس وما شاكلها من كيانات منفصلة عن نظام الخدمة من أن عددها خلال هذا العام قد وصل الى ما يقارب الخمس عشرة هيئة، في حين أن عدد الوزارات في الحكومة لا يتعدى العشرين وزارة. ورقم الهيئات مرشح للارتفاع أكثر من الرقم الآخر بسبب ما ذكر أعلاه من أسباب.
هل يمكن القول إن ما يحدث حاليا من تفكيك للجهاز الإداري والحكومي في الدولة هو من باب الموضة؟ أم من باب الحاجة؟ أم من باب الهروب من نظام بات حتى أهله يصفونه بأنه يمثل عائقا في تقدم مؤسسات الدولة الحديثة في عصر بات لا يعترف بالبيروقراطية والروتين وكثرة عدد الأوراق والتوقيعات وانتظار أمر فلان والانتهاء بأمر علان. وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا نواجه الأمر بشجاعة مطلقة ونبدأ في تكسير ذلك القانون الهرم وإحالته للتقاعد وإعطاء كثير من الصلاحيات والمميزات لوزارات الجهاز الحكومي مع إبقاء الرقابة عليها واستشراف مستقبل جديد للأجيال القادمة التي باتت تنظر الى أن العمل في القطاع الحكومي يساوي الالتصاق بكرسي الوظيفة وانتظار الترقية والنوم على وسادة أن حالي هو حال غيري عملت أم لم أعمل لأن لا أحد في كل الحكومة يملك أن يزحزحني عن وسادتي التي أنام عليها في ظل الحكومة.
سمعنا كثيرا عن قانون سيوحد موظفي الدولة تحت راية واحدة وسيشملهم كلهم بعنايته ورعايته بدون تمييز بين موظف في هيئة أو وزارة أو مجلس أو شركة أو ما شاكلها من وظيفة تخضع لمظلة الحكومة، وقد طال انتظار الكثيرين لهذا القانون ــ إن كان ثمة صحة له ـــ وبدأ بعضهم في حساب كيف سيكون وضعي عندما تتم مساواتي بزميلي الذي كان يجلس بجانبي وانتقل إلى تلك الهيئة.
تعليقات