حضرت مجلسا اجتمع فيه شخصان يعملان في جهة عمل واحدة أولهما يلهج بالشكر والثناء على مسؤوليه ممن وضعوه في منصب تكليف لا تشريف له كما يقول هو، والآخر لسانه لا يذكر بخير اولئك المسؤولين ممن أخذوا منه منصب التكليف ذاك وأعطوه لآخر هو برأيه أقل خبرة ودراية وتجربة منه.
ارتسمت على وجهي علامات العجب من ذانك الصديقين، ترى هل أصدق الراضي أو كما قال عنه صديقه المرضي عنه أو أصدق الآخر الساخط أو المسخوط عليه، فكلاهما يسوق الحجج والادلة والبراهين على ما يقوله ومايوقنه من كلام، أم أن حديث كلاهما نابع من لحظ الموقف والموقع ولو تغير أيا منهما لتغير مجرى حديث الشخص بما يتناسب والمكانة التي يتبوأها.
نحن نمارس الرضا والسخط في حياتنا كل يوم وفي كل شىئ، فلو رضينا عن شىئ فإن لسان الثناء سوف يسبق لسان السخط والذم والقدح والعكس من ذلك صحيح، فلو سخطنا على شىء أو عن شىئ فإن الفاظ المدح والثناء سوف تختفي من كلامنا وكأن لسان الحال يعبر عنه قول الشاعر العربي بقوله وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا.
ممارستنا لمبدأ الرضا والسخط لا ينسحب فقط على حياتنا الفردية بل يتعداها ليشمل كل الممارسات اليومية، فنحن نحب من أرضانا وأسعدنا وأعجبنا بكلامه وصدقناه، ونبغض من خالفنا الرأي وتسبب في شقاء بعضنا ولم يعجبنا كلامه ولا أفعاله، فنحن بطبيعة تكويننا نميل الى تغليب العاطفة على العقل في كثير من الامور، فنصدق ما يقوله فلان عن فلان لدرجة تصل الى بغضه وكرهه فقط لمجرد أن فلانا لا يحبه أو تحدث عنه بكلام غير لائق والعكس من ذلك، فقد نمدح ونحب آخرا لان غيره امتدحه أمامنا أو أثنى عليه وقال فيه كلاما حلوا المذاق، فنحن نحب ذاك المحبوب لان آخرا قد أحبه فوجب علينا محبته.
نحن عاطفيون لدرجة كبيرة تصل الى حد السذاجة كما قال بعضهم، يمكن أن يؤثر فينا لسان أحدهم فنهب هبة رجل واحد لنجدته، أو نتخلى عن آخر هو محتاج الى النجدة والنصرة لمجرد أن ذلك الآخر قرع على آذاننا بكلام أثر على عاطفتنا فتركتنا لا نقوى على نصرته أو حتى الاستماع الى مظلمته.
نحن لا نحكم العقل فيما نسمع ونبصر، وقد تكون هذه سمة اختص بها العرب دون سواهم من أمم الارض وشعوبها، عقولنا لا نستخدمها للتمييز بين ما هو نافع وضار، بين ما هو صالح وطالح، بين ما هو خطأ وصواب،بين من يقول حقا وبين من يدعي باطلا. مشاعرنا هي من يحكم أفعالنا،تحركنا العاطفة لا العقل، نتأرجح بين العقل والقلب فنغلب القلب على العقل،وهذا ربما هو ما جر علينا الكثير من الهوان والضعف والانسياق للآخر الذي استطاع تسخير تلك العاطفة في اشعال فتنة بين الأخ وأخيه، بين الابوإبنه، بين الرجل وزوجه.
ما نشهده اليوم في وضعنا العربي الذي انقسم على نفسه بين راضوساخط، مؤيد ومعارض، قاتل ومقتول، ما هو إلا نتيجة طبيعية لتغليب صوت العاطفة على صوت العقل، هو اتباع لهوى النفس والقلب على العقل والرشد. إعتقدنا أن من علا صوته فهو على حق، ومن ضعف ذلك الصوت لديه فهو على باطل، من قام خطيبا في الناس مستنهضا عاطفتهم فهو ومن معه على حق ومن آثر الصمت والسكون والدعة فهو على الباطل، من استخدم وسائل الدعاية المختلفة ووصل الى الناس فهو أحق أن يتبع ومن لم يصل فهو على غير ذلك.
صرنا الى حال يلهج فيه الراضي بآيات الشكر والثناء على من أرضاه ويصب جام الغضب على من خالفه، وإن انقلبت يوما موازينه فسوف يبدلتلك النغمة الناشزة الى نغمة شاكرة إن فقط رضي عنه وأُرضي.
منشور بجريدة عمان http://omandaily.com/?p=20468
تعليقات