هي المفضلة للكثير منا، لا يزايد عليها بأي من القهوات الحديثة التي جاءتنا غازية من كل بقاع العالم بأنواع وأشكال وألوان ومسميات عجيبة وغريبة، ما أن تحفظ الواحدة حتى تأتيك الأخرى بكلمة ووصف وشكل آخر أكثر تعقيدا من الأولى، لذا يجد الكثير من عشاق القهوة التركية ضالتهم فيها، فهي تساعدهم على التركيز وتجلب لهم الانتباه وتساعد على تصفية الذهن وغيرها من الفضائل التي يعددها مدمنوها ومتعاطوها.
حالها كحال بلادها التي انتسبت اليها تأتي أحيانا بطعم حلو المذاق وقد تأتي بطعم مر، ويمكن أن تطلبها مضبوطة ويمكن أن تكون برغوة ويمكن بغيرها، متعددة الاصناف والانواع، ولكن الجميع مجمع على أنها المفضلة لهم لا سيما في عالمنا العربي وإن كان قبولها في المجتمع الأوروبي لم يحظ بعد بذلك الاستقبال الجيد من قبل المجتمع قد يكون بسبب طعمها المر المذاق.
صديق لي، مع بدء موسم الصيف أو كما نقول نحن هنا في عمان موسم القيظ بنفحات الحر المصاحبة له وارتفاع في درجات الرطوبة، خطط لقضاء إجازته هذا العام في بلاد الترك لأن قهوتها ومسلسلاتها المدبلجة الى العربية التي تظهر فيها تلك البلاد وكأنها جنة الله للباحثين عن كل شيء وفيها سبع فوائد سلبت فوائده واقضت مضجعه وسكنت رأسه فقرر أن يشرب قهوته التركية هذا العام في عقر دار العثمانيين وتحديدا بالقرب من جامع آيا صوفيا ومسجدها الازرق الذي بات شاهدا على عظمة وتاريخ هذه الأمة التي حكمت العرب كلهم لما يزيد عن أربعة قرون متتالية. غير أن هذا الصديق وقبل أن يعطي لقاطع التذكرة اشارة البدء في العد العكسي لهذه الزيارة التاريخية تراجع عن قراره، لأنه تلقى رسالة على هاتفه الجوال بأن هنالك في تلك البلاد تقوم حاليا مظاهرات ساخنة مرشحة لأن ترتفع سخونتها مع هذا الصيف العربي بسبب اتهامات بين الاطراف على من يقف وراءها.
بين الربيع العربي والصيف التركي تبقى المنطقة في اشتعال دائم، وهنا لست بصدد تقديم رؤية سياسية عن الاحداث التي تجري حاليا في تركيا ولا بصدد الاشارة الى من يقف وراءها ولا الى الاسباب المعلنة وغير المعلنة التي يطالب بها المحتجون حكومتهم ولا إلى قضية الرأي واحترامه واحترام التظاهر أو التهديد باستخدام القوة أو اللجوء الى الحوار، ولكنني فقط اود الرجوع الى العصر الذهبي الذي تعيشه تركيا حاليا في ظل حكم انتقل بهذا البلد من مصاف دولة فقيرة كان لا يتعدى متوسط دخل الفرد فيه ثلاثة آلاف دولار حتى أصبح اليوم يصل الى أكثر من احد عشر ألفا، بل وأصبحت الآلة الصناعية التركية تغزو معظم دول العالم، حتى شركات البناء والتعمير والتشييد التركية وجدت لها ملجأ في كثير من دول العالم لا سيما دول الخليج، كما غزت الدراما التركية بيوت العرب قاطبة كما غزتها جيوشها قبل اربعمائة سنة وروجت السياحة والسفر والاستثمار وغيرها من المزايا التي حصل عليها الاتراك جراء انفتاحهم على العالم أجمع.
يبقى السؤال ترى ماذا يريد الاتراك أكثر من ذلك؟ فعندما نلتمس العذر للعرب في قيامهم بربيعهم العربي لانهم عانوا وقاسوا وذاقوا كثيرا من مرارات وويلات الظلم والفقر من قبل حكامهم ومن يعاونهم، لا نجد هذا الشيء مبررا لدى الاتراك القريبين منا، فلديهم كثير من الديمقراطية والعدالة والنزاهة. ولكن قد يعزى ما يحصل بالقرب من الجامع الازرق وبعض مناطق تركيا الى أنه امتداد لربيع عربي جاء باردا لكنه على ما يبدو أنه قد يستمد سخونته من حرارة الصيف التركي التي أجلت سفر صديقي الى تلك البلاد.
تراجع هذا الصديق عن حلمه الصيفي وقرر أن يعود لمقهاه الذي اعتاده ليكمل شرب ما تبقى من فنجان قهوته التركي الساخن، ويترك خيار شرب فنجانه في شارع الاستقلال في قلب العاصمة اسطنبول
تعليقات