التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عيد بأية حال




   صُمت عن الكتابة الصحفية خلال فترة اجازتي الصيفية طمعا في هدوء البال والسكينة التي لم تكن تتوفر خلال فترات ما قبل الاجازة. وعلى الرغم مما مرً به هذا الصيف الساخن من أحداث إلا أنها لم تزعزعني عن موقفي الرافض لحمل القلم، غير أنني أجد نفسي اليوم غير قادر على مقاومة إغراء الكتابة، وربما كان العيد هو ما دفعني الى الحنث بنذر الصوم والبدء في الافطار على الكتابة.

تذكرت العيد وفرحته وانشغال الجميع باقتناء كل ما يبهج الروح والجسد من صغار وكبار، وتذكرت في ذات الوقت من يمر عليه العيد وهو يتذكر رجوعه الى المحكمة مرة أخرى وقد رسم في عقله طريقين إما الرجوع الى بيته أو الدخول الى بيت آخر يقضي فيه عقوبة عام أو يزيد.

من عنيتهم هنا يعرفهم الجميع من مسندم وحتى ضلكوت فقد تم تداول صورهم وبياناتهم في كل وسائل الاتصال ابتداء من وسائل الاعلام التقليدي وانتهاء برسائل الهواتف المحمولة، فهولاء وكما يحلو لاخواننا المصريين أن يطلق عليهم " مسجل خطر" فهم خطر على أمن البلاد واستقرارها وهم كتاب لا يعون ما يكتبون وهم أيضا متجمهرون بقصد إحداث شغب وتعطيل المرور.

هل أخطأ هؤلا الشباب بتصرفاتهم وكتاباتهم وتجمهرهم؟ قد يكون الجواب نعم بحكم فورة الشباب وجموحه ومجاراته لما يراه ويسمعه ويعايشه كل يوم من أحداث في عالمنا العربي والعوالم الاخرى، وقد يكون هذا التصرف طبيعيا في عالم وفرت فيه كل وسائل التواصل والانفتاح، وقد يكون السبب الرئيس هو في غياب كثير من التعليم والرعاية من قبل الاسرة أو الدولة التي يلقى عليها بالمسؤولة إلى حد كبير.

 ولكن قد لا يكون التصرف معهم باستخدام القوة والتهديد والترهيب لان مثل هذا النوع من طرق التعليم لم يثبت جدواه في كل دول العالم.

خلال هذا الشهر الفضيل، رأيت الكثير من الشباب يقضون الليل بأكمله في أشياء لا طائل منها فمنهم من أدمن التلفزيون والبعض أدمن الانترنيت والهاتف النقال وإرسال واستقبال الرسائل والدردشة مع أقرانهم، وبعضهم يقضي ليله متجولا في الشوارع، ومع طلوع الفجر يبدأ هؤلا بالصوم وهم نيام حتى الظهر أو العصر وعندما تسأل عن هذا الوضع المعكوس يأتيك الرد " تراه ما شي شغل، وإجازة".

اذا كان هذا هو الوضع فلا تستغرب أن تنتشر الكثير من الظواهر السلبية في المجتمع وينساق مثل هؤلا ممن "ليس لديهم شغل" وراء القيل والقال ونشر الشائعات والكتابة عن حالته والتعليق على حالات الآخرين بدون مراعاة للدين أو للعادات أو التقاليد أو القيم أو حتى دراية بالقوانين والتشريعات، ربما جهلا منه وربما تغرير به وربما البعض منهم عن عمد وقصد.

 يجب أن نبحث بعمق عن الاسباب التي تؤدي الى مثل هذه السلوكيات لدى البعض من جيل الشباب بصفة خاصة، وأن نحاول فتح قنوات للتواصل معهم وتفعيل دور البيت والمدرسة والمسجد والنادي، والاهتمام كثيرا بوسائل التربية والتعليم والترفيه والتسلية والثقافة في المجتمع، بدلا من معقابتهم ومحاكمتهم والزج بهم الى المحاكم والسجون.

أتمنى من كل قلبي أن يفرج الله عن كل مكروب في هذا الشهر، وأن يتقبل الله ومن بعده ولاة الامر توبة وأوبة هؤلا الشباب الذين سيسعدهم مجيىء العيد السعيد وهم بين أبنائهم وأهلهم آمنون مطمئنون.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها ...

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج...

الأشجار تموت واقفة

تروي لنا الحكايات انه في جزر سليمان الواقعة في جنوب المحيط الهادي أنهم اذا أرادوا اقتطاع شجرة فان القبيلة تجتمع من حولها وتاخذ في لعنها وبعد ايام تموت الشجرة. هكذا وردت هذه العبارة على لسان الممثل الهندي عامر خان في فيلمه " الطفل المميز" أو بالهندية ان أصبت نطقه فهو " تاري زامن بار" Taare Zamen Par . ويتحدث الفيلم عن طفل صغير لديه صعوبات في التعلم ولا يستطيع تمييز الحروف من بعضها وليست لديه المقدرة على الفهم كباقي زملائه وأقرانه مما جلب عليه سوء معاملة من والده أولا ومن معلميه ثانيا، غير أن مدرسا للفنون كان قد اصيب بمثل هذا المرض من قبل شخص حالة هذا الطفل وبدأ في علاجه واقناع الجميع بأنه طفل مبدع مبتكر لا سيما في الرسم. حالة هذا الطفل وغيره من الاطفال تشخص اليوم على أنها نوع من مرض التوحد وتتمثل أعراضها في الانعزالية وعدم التواصل مع الاخرين واضطرابات في النوم والاكل والشرب وغيرها من الاعراض، وقد يصاب المرء بالعجب عندما يقرأ بأن عددا من المخترعين والمفكرين والادباء والفنانين التشكيلييين العالميين كانوا مصابين بهذا المرض من أمثال موتسارت وبيتهوفن ومايكل أنغل...