قرأت مطولا ما كتبه الزميل الدكتور زكريا المحرمي ونشره في حلقات قراءاته لكتاب " إيضاح نظم السلوك الى حضرات ملك الملوك" للعلامة العماني الشيخ ناصر بن جاعد الخروصي ومن تحقيق الدكتور وليد خالص، ورغبت حقا في قراءة هذا الكتاب الممتع فتوجهت بالسؤال الى الدكتور زكريا عن إمكانية الحصول على نسخة منه فأجابني بأن ناشره هو هيئة أبوظبي للثقافة والتراث مع حسرة في قلبه على أن مثل هذا الكتاب وغيره من الكتب يطبع خارج السلطنة ونحن الذين هم أولى بطباعة مثل هذا الكتاب.
وفي موقف آخر، حضرت احتفاء في دولة آسيوية بالملاحة العربية وفضل الملاح العماني أحمد بن ماجد في الكثير من الاختراعات والعلوم البحرية، وصاحب هذا الاحتفاء تدشين كتاب حمل نفس الاسم " تاريخ الملاحة العربية" وتم افراد فصول في هذا الكتاب عن الملاح إبن ماجد ودور عمان في الملاحة العربية، وعندما سألت عن الجهة التي تبنت طباعة هذا الكتاب قالوا لي بأنها دولة قطر!
نعم، العلم لا يعرف الحدود ولا يعرف الدول ولا يعرف الجنسية أيضا، ولكن عندما يتعلق الامر بالحديث عن موضوعات هي في صميم وعمق ثقافتنا وتراثنا العماني فإنك تصاب بنفس الحسرة التي اصيب بها الدكتور زكريا، كيف أن مثل هذه العلوم والمعارف أصبحت تأتينا مغلفة من خارج الحدود في حين هي كانت في الاصل داخل الحدود.
السؤال الاول الذي يثار في هذا الموضوع، من هي الجهة التي يمكن أن يشار اليها بأنها هي من يعنيه أمر النشر والطباعة وإخراج الكنوز العلمية الى حيز الوجود وتشجيع الباحثين والعلماء وأصحاب الفكر من الداخل والخارج على التأليف والكتابة ونشر العلوم والمعارف؟
هل هي وزارة التراث والثقافة أم وزارة الاعلام أم المكتبات العامة أم الافراد أنفسهم الذين لا يملكون الامكانات المالية ولا التشجيع ولا الحوافز المعنوية على التأليف والكتابة؟
فيما مضى قامت وزارة التراث والثقافة بطباعة وتحقيق مئات الكتب والمخطوطات، وتزخر مكتبتها التي تضمها جنبات الوزارة بالعديد من كتب التراث والكتب العلمية والفقهية والفلسفية لعلماء وأدباء عمان، ولكن خارج أسوار هذه المكتبة قلما تجد أي أثر لمثل هذه الكتب، إلا أن الوزارة – من وجهة نظري- أصبحت لا تعطي أهمية كبيرة لطباعة مثل تلك الكتب وتحقيقها ونشرها ربما لان كل الكتب قد نشرت وطبعت كلها وربما أن الوزارة تعبت من طباعة مثل هذه الكتب.
حال الطباعة والنشر هنا في السلطنة وصل الى حال يرثى له، الكثير من المثقفين والباحثين والمحققين وطلاب العلم والمجتهدين يبحثون اليوم عن جهة تتولى تشجيعهم ونشر اصداراتهم وتوزيعها على الوطن العربي الكبير وأيضا ترجمتها الى العديد من اللغات الحية وغيرها من هموم الطباعة والنشر التي أعتقد أن من يعنيهم هذا الامر هم أحق بالحديث عنه في مؤتمر أو ندوة تقام للوقوف على هذا الموضوع.
هل نحن بحاجة اليوم الى " هيئة" على غرار الهيئات الاخرى في الدولة إن كانت هياكل الوزارات قد ترهلت ولم تستطع مجاراة العصر الحديث الذي نعيشه، تكون مهمتها تشجيع الشباب على الكتابة والتأليف والترجمة ونقل المعارف والعلوم الانسانية وغيرها من العلوم الاخرى، وإحياء تراثنا العماني وعلمائه الذين نرى اليوم أن الآخر هو من يشهد بفضله ويبجله ويقدره قبل أن نقوم نحن أبنائهم بالتنكر لهم إن جاز لي هذا القول.
قبل أن أنهي هذا المقال أود أن اشير الى أن هذا العصر هو عصر المعرفة ودائما ما نسمع عن كلمة "اقتصاد المعرفة" أي أن كثير من الدول استطاعت اليوم أن تضيف العلم والمعرفة كناتج قومي لبلدانها وتعتمد عليه قبل الاعتماد على المصادر الاخرى مثل النفط والغاز والصناعة والتجارة والمعادن، وأعتقد بأننا بحاجة الى بضع خطوات للوصول الى هذا النوع من الاقتصادات التي تدعم العلم والنشر والطباعة في المقام الاول.
تعليقات