التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الثورة النـاعمــة






 
      من تونس للقاهرة مرورا بطرابلس وصنعاء وانتهاء بلندن وأثينا وهنالك متفرقات عالمية هنا وهناك اجتمعت فيما بينها على القيام بثورة أيا كان هدفها ومغزاها ونتائجها فكلها أو لنقل معظمها مجمع على القيام بثورة ضد ما يعانيه شعوب تلكم الدول.


المحرض في كل تلك الثورات واحد ومن قام بإشعالها واحد ومن أجهها واحد والمتهم الذي يشار إليه بأصابع الاتهام هو واحد حتى مع اختلاف الزمان والمكان والهدف والنتيجة ولكن يبقى من كل هذا كله هو أن حكومات الدول المتضررة من هذه الثورات تلقي باللائمة على مواقع التواصل الاجتماعي والهاتف النقال الذكي البلاك بيري وأجهزة الكمبيوتر المحمول وكما أسماها البعض بأنها الثورة الناعمة أو الغزو الناعم.


أشعر بأن من أطلق على هذا العصر بأنه عصر ثورة المعلومات كان قد تنبأ بأن المعلوماتية هي من سيقود الثورات في العالم فأطلق عليها هذا الاسم مسبقا حدسا منه بأن هذا العصر هو عصر الثورات الناعمة التي تقودها أجهزة الهاتف النقال في أيدي الأولاد والبنات من جيل هذا العصر الذي استعان بهذه التقنية ووظفها للوصول إلى غاياته في الحياة بدلا من القوة والعنف والبطش التي تمتلكها الحكومات والتي لم تستطع الوقوف في وجه تلكم الثورات الناعمة.



الثورة الرقمية الناعمة أتاحت لنا الوقوف على مشاهد الثورات التي جرت في مختلف أرجاء العالم وكأننا نحن المشاركون فيها، كنا نقرأ ونرى ونشاهد ونشارك في نفس الوقت، فما كان يحتاج إلى سنوات أو أشهر أو حتى أيام ليصل إلينا بات يصلنا في نفس لحظة وقوعه بالصوت والصورة ومن خلال الهاتف النقال المحمول الذي لا يفارق يد القائم بالثورة والمتلقي لها.


في هذا الزمان لسنا بحاجة إلى أن نقوم بثورة حتى نشعر بطعم الثورات والانتصارات التي يحققها المنتصرون ويكفينا فقط أن نتابع تفاصيل تلك الثورات على هواتفنا المحمولة لان عصر الثورات الناعمة قد حل.




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة على ورق

      تختزن ذاكرتي بعض الصور القديمة عن مجلة أطفال كنت اشتريها كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة أكبر من قريتي، لم ترسخ في ذاكرتي قصص تلك المجلة ولا رسوماتها، فما رسخ وتسرب الى قاع عقلي هي صور الصغار التي كانت تزين الصفحات الداخلية لتلك المجلة، وكنت أتمنى لو أنه في يوم من الايام كانت صورتي وأنا مبتسم على إحدى تلك الصفحات وأكتب عن هوايتي بأنها " المراسلة"، فأبدأ في رسم صورة الكم الكبير الهائل من الرسائل التي تصلني عبر البريد من أصدقاء افتراضيين من كل العالم ومن كل الجنسيات ومن كل الاجناس يكتبون لي عن أنفسهم واسرتهم وأماكن اقامتهم وهواياتهم وأكتب أنا اليهم عن صور خيالية عما كنت أحلم به من حياة غير حقيقية لم تكن قريتي الصغيرة قادرة على توفيرها لي. أذكر أنني كتبت عن نفسي لاهلي في سن متأخرة بعدما خرجت من الجامعة وأكملت تعليما عاليا في دولة متقدمة في مجال البريد، كنت أرسل صوري التي أتباهي بها الى اسرتي وفي الخلف تعليق طريف على ذلك المشهد، كنت أستمتع بوضع تلك الصور في مظروف والذهاب الى مكتب البريد في الجهة المقابلة لمكان الاقامة، ولم يكن الرد ليأتي برسائل كالتي أرسلها ...

زوايا منفرجة

سأستعير مصطلح الزاوية المنفرجة والتي يعرفها علماء الحساب والرياضيات بأنها الزاوية التي يكون قياسها أكبر من تسعين درجة أي أنها زاوية ليست بالمستقيمة ولا بالمعتدلة فهي قد أعطت لنفسها الحق في التوسع والامتداد مخالفة للقاعدة الرياضية والطبيعية التي تقول أن كل شيىء يجب أن يكون مستقيما لا يحيد عن سنن وقوانين الطبيعة، وبعيدا عن هذه المقدمة الرياضية فإن مقالي هذا يتحدث عن جانب اداري بحت يتعلق برغبة بعض مؤسسات الدولة في التوسع في اختصاصاتها على حساب اختصاصات مؤسسات أخرى لها كياناتها القانونية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما يسمى في عرف الاداريين بالتداخل في الاختصاصات بين الجهات المختلفة. لدينا عديد من الامثلة على حصول ذلك التداخل تبدأ من قلب كيانات الدولة ذاتها حيث تتداخل اختصاصات دوائرها وأقسامها المختلفة فتبدأ في التنازع والتخاصم والتشاكي والتباكي على ما كان يوما من الايام من اختصاص أساسي بنص القانون والدستور من صميم عمل قسم أو دائرة ليذهب بجرة قلم الى مكان آخر ربما عن قناعة من صاحب القلم بأن صلاحية ذلك الآخر شارفت على الانتهاء مما كان يشرف عليه وحان الوقت لطباعة تاريخ صلاحية ج...

الأشجار تموت واقفة

تروي لنا الحكايات انه في جزر سليمان الواقعة في جنوب المحيط الهادي أنهم اذا أرادوا اقتطاع شجرة فان القبيلة تجتمع من حولها وتاخذ في لعنها وبعد ايام تموت الشجرة. هكذا وردت هذه العبارة على لسان الممثل الهندي عامر خان في فيلمه " الطفل المميز" أو بالهندية ان أصبت نطقه فهو " تاري زامن بار" Taare Zamen Par . ويتحدث الفيلم عن طفل صغير لديه صعوبات في التعلم ولا يستطيع تمييز الحروف من بعضها وليست لديه المقدرة على الفهم كباقي زملائه وأقرانه مما جلب عليه سوء معاملة من والده أولا ومن معلميه ثانيا، غير أن مدرسا للفنون كان قد اصيب بمثل هذا المرض من قبل شخص حالة هذا الطفل وبدأ في علاجه واقناع الجميع بأنه طفل مبدع مبتكر لا سيما في الرسم. حالة هذا الطفل وغيره من الاطفال تشخص اليوم على أنها نوع من مرض التوحد وتتمثل أعراضها في الانعزالية وعدم التواصل مع الاخرين واضطرابات في النوم والاكل والشرب وغيرها من الاعراض، وقد يصاب المرء بالعجب عندما يقرأ بأن عددا من المخترعين والمفكرين والادباء والفنانين التشكيلييين العالميين كانوا مصابين بهذا المرض من أمثال موتسارت وبيتهوفن ومايكل أنغل...