في عالم الفضاء المفتوح تتلاشى الهويات القومية، هكذا قال أحدهم، وأردف آخر في عصر الفضاء المفتوح البعيد عن سلطة الدولة تتلاشى الهويات القومية.
قد يكون كلا القولين صحيح وثابت من أن البحث عن الهوية داخل صندوق سحري صغير يأتيك بالعالم بين يديك مثل جني علاء الدين ملبيا ومشبعا لك رغباتك ويقول لك " شبيك لبيك القناة اللي تريدها بين ايديك". أقول قد يكون القولين صحيحين من أن الهوية القومية في عصر الفضاءات المفتوحة قد تلاشت وحل محلها شكل جديد قد لا أستطيع أن أسميه بأي اسم فهو مزيج من العولمة والتجارة من جهة وبين التقليد والمحاكاة العمياء من جهة أخرى، وبين هذا وذاك تضيع وتتلاشى الهوية الوطنية في الفضاء المفتوح.
قد يقول قائل بأن الهوية الفضائية ضائعة بسبب ضياع الهوية الأرضية، فمن أين تأتي الهوية الفضائية إن لم تكن مستمدة من الهوية الأرضية، فالأرضيون وهم نحن سكان كوكب الأرض بتنا لا نلقي بالا بأمر الهوية، نعتبرها قيدا وحكرا على حرياتنا وباتت من الماضي الغابر الذي لا يتناسب مع عصر السرعة والانفتاح الذي نحياه، بات مفهوم الهوية لدى الكثير منا عنوانا للتراث والتقاليد والعادات البالية التي لا بد وأن نتجاوزها كي نتقدم ونتطور ونجاري غيرنا من الأمم التي ما تطورت إلا بعدما نبذت هويتها وركنتها وحنطتها في المتاحف والمزارات السياحية، وهذا المنطق هو ما فرض نفسه وفرضه القائمون على الفضاء بحجة أن أهل الأرض لا يرغبون في اجترار أمور الهوية والتقعر فيها بل يفضلون أن يكون الفضاء خاليا من أية شوائب وملوثات قد تعيق تنفس العولمة ومحاكاة العالم المتقدم.
لنأخذ مثلا حال الفضاء العربي بعد مرور أكثر من عشرين عاما على إنطلاقه فضائيا. كانت البدايات متواضعة وقليلة وكان جلها عبارة عن قنوات تدار من قبل الحكومات العربية سهلت الطريق على نفسها ومواطنيها بدلا من تركيب محطات أرضية ضخمة تكليف الملايين ، أصبح مواطنوها يشاهدون نفس قناتهم الأرضية فضائيا، حتى أغرى الأمر أصحاب الملايين فقرروا السير على خطى الحكومات واختراع قنوات تلفزيونية فضائية تعرض ما يشاءون ومتى يشاءون بدون رقيب أو حسيب، وهنا بدأت الكثير من القيم والأعراف والهويات في التلاشي شيئا فشيئا إلى أن اكتمل اليوم عقدان من الفضاء العربي وبات سؤال الهوية تائها في الفضاء المفتوح تتحكم به الملايين التي وجدت في هذا النوع من الاستثمار بيئة جذابة تتوالد فيها الأموال في الفضاء بسرعة أكبر مما تتوالد فيها على الأرض.
اليوم، يحاول الجميع البحث عن هوية ضائعة بين الفضاء، القليل منهم استطاع التماسها وتشبث بها، والكثير أضاعها طمعا في الأموال التي يمكن أن تتوالد من جراء التخلي عنها.
في شهر الخير يلح سؤال الهوية بكثرة على الفضائيات التي تروج لنفسها بهويتها الأرضية في مسعى منها لاقتناص مشاهد أرضي قد يرغب في مشاهدة نفسه فضائيا، ويبقى سؤال الهوية قائما هل لا يزال أهل الأرض يحتفظون بالشيء الكثير من هويتهم الوطنية حتى يبقى جزء منها فضائيا؟.
تعليقات